حديث الشرفة …

علي المسعودي
أطل الأمين العام من شرفة مكتبه، فامتلأت ساحة محمد علي بالهتاف، وعلا هدير الأجراء: الشعب معاك يا طبوبي !.
لقد خُيِّل إليّ، للوهلة الأولى، وأنا أسمع هذا الهتاف، أن من أطلّ من الشرفة هو خيال المخلوع، لولا أن بعض الصائحين أنفسهم كانوا قبل أيّام ينعتون الأمين العام بالخيانة، ويعيِّرونه بالجزارة !
من الشعارات والهتاف، أدركت أن السيد الأمين العام قد جمع في جيبه كل الأوراق، وبين أصابعه كل الخيوط.. وأسِفت على حال الأجير.. فما أسهل انقياده، وما أكثر نسيانه.. وما أضيع روحه !.
هاجم السيد الأمين العام السياسات الحكومية في التنمية والتشغيل، وهاجم ضرب قطاع الصحة والتعليم، والخيارات الليبيرالية المنتهجة.. كما طالب بدولة مدنية ديموقراطية اجتماعية.. وهذا كلّه خطاب جميل، يتفق حوله الأجير والمعطّل والفقير.. وسأتجاوز عن قول البعض بأن الاتحاد هو أيضا في موضع الاتهام.
غير أن اختلاق الوقائع واحتراف تجميل بعض السواد في التاريخ لن يصدقه أحد، حتى أولئك الذين يأخذون النكتة من فم الأمين العام على محمل الجد.
عندما يهاجم الاتحاد السلطة الحاكمة، ويمنّ عليها بالثورة وكأنه من حملها إليها على طبق ذهب، أودّ أن ألاحظ بكل أدب، أن البوعزيزي لم يكن منخرطا في أيّ قطاع، وأن من قاد وأطّر جيش الثوار والمهمشين هم القواعد، أما القادة أمثالكم فقد اختاروا طعام قرطاج الدسم.
عندما يحذّر الأمين العام من نوايا السطو على الثورة، ومحاولات الانقضاض، أودّ أن أشير بكل أدب، أننا نحذر أيضا من بعض نواياكم.. وأنكم مررتم إلى الفعل المشين، وآخره تكريمكم لصنيعة المخلوع من بينكم، في مهد الثورة وتزامنا مع تاريخها المجيد.
عندما يرفض الأمين العام خرق السيادة، وتعليمات تُرسل عبر البحار، أودّ أن أبارك رفضه.. ولكن عندي سؤال: هل يمكنك أن تعيد على مسامعنا ما دار بينك وبين كريستين لاقارد ؟ وهل كنت تشتمها مثلا وأنت تشرب معها كاس البندق والشاي ؟
عندما يدافع الأمين العام عن تحالفاته السياسية بحجة التقاطع والالتقاء، سأسأل تساؤل العارف: أي خيارات نقابية تقاطعت مع حزب الدستور على مدى ثلاثة عقود ؟. أيّ خيارات نقابية التقت مع تجمع المخلوع على مدى عقدين ويزيد ؟ أي مبادئ اجتماعية يستبطنها “فكر” آل السبسي أو شق النداء حتى تصطف معه موضوعيا، وتضع نفسك والأجراء جنودا لخدمة بعض الفسّاد وأصحاب رؤوس الأموال ؟
نحن نؤمن بالاتحاد العام التونسي للشغل كقوة مضادة للسلطة، ونقبل به وبتاريخه على علّاته وحسناته.. نروم إصلاحه، ولكن لا نقبل تزييف تاريخه.
•••
نسيت أن أذكّر السيد الأمين العام بأن بعض السوريين واليمنيين والليبيين يذهبون إلى المدارس كل يوم.. وأن أبناءنا كاد أن ينتهي عامهم وهم لم يبدؤوا بعد… وأنهم رهينة الصراع النقابي النقابي، وسياسة التحجيم والتقليم.. عسى أن تذكروا هذا في خطاب الشرفة للأيام القادمة وترفعوا عن أنفسكم وخز الضمير..

Exit mobile version