Site icon تدوينات

في الزبونية الثقافية ورعاية المبدعين

سفيان العلوي

سفيان العلوي

سفيان العلوي
المصطلح قليل التداول لكنه قريب من مفهوم الزبونية السياسية يكاد يتماهى معه. هو الوجه الاخر لهذه الزبونية التي تفرق بين المواطنين في توزيع المنافع والانتدابات والرعاية على أساس القرب ودرجة الولاء وخدمة المنوال السائد.
واذا كان للثقافة وزارة فهي نظريا وسياسيا المعنية برعاية المبدعين والمتفرغين للعمل الثقافي من خارج موظفيها. كان الامر وربما لايزال يدار بالطريقة التالية: إسناد رخص المقاهي والمطاعم أو التاكسي أو التوظيف الوهمي في المؤسسات العمومية أو رخص التفرغ للعمل الثقافي مع بقاء الأجر ساريا في المؤسسات الأصلية. أغلب أساتذة الموسيقى والمسرح يدخلون في هذه الخانة الأخيرة. ما يقال عن الدعم الثقافي المباشر هو إعادة تدوير لمساعدات مالية من الخارج خاصة من الإتحاد الأوروبي وفرنسا لتمويل مشاريع برامج ثقافية وفنية دولية محددة الخيارات. أغلب المشاريع الفنية والمهرجانات والحفلات تدير التمويل داخلها فيصبح سائق الحافلة أو الكهربائي أو مساعدوه ممثلا أو كمبارسا وغير ذلك لتقليص المصاريف واحتكار الميدان. هذه قنوات رسمية أو شبه رسمية للتمويل والرعاية الاجتماعية الثقافية توازيها طرق أخرى للتمويل عبر ما يعرف بشبكات المجتمع المدني والمنظمات الغير الحكومية الدولية والتي تتحرك داخل خياراتها وشبكاتها وأشكالها الانتقائية للدعم. وعادة ما يكون هناك تداخل كبير بين النمطين من الدعم الثقافي في إطار ما يعرف بصيد المعونة الخارجية.
كان هناك في عهد بن علي تجربة لما عرف حينها بـ “رخصة مبدع” لرعاية بعض الفنانين القدامى أو المزاودية الذين ينقطع دخلهم خارج مواسم الربوخ ولكنها لم تخرج عن نفس النسق وكثير هم من أكملوا حياتهم في فقر كامل ولعلكم تذكرون فاطمة بوساحة أو هناني وعازف الكمان المبدع القلعي وغيرهم كثير. ولقد أمكن استيعاب بعض الفنانين في بعض المشاريع الضخمة التي مولتها وزارة الثقافة بالكامل وأدمجت ما يسمى بالفن الشعبي ضمن خلطة رسمية على غرار الحضرة أو الزيارة وغيرها.
ما يسمى إنسحاب الدولة “le désengagement de l’Etat” في إطار “التحكم” في نفقاتها شمل أيضا القطاع الثقافي وترك المجال الثقافي تدريجيا للقطاع الخاص الوطني والاجنبي أو كلاهما ولم يقلص ذلك من نفقات الدولة بل ظلت لعبة المناولة الساندة والزبونية الثقافية هي السائدة. وأمام انفجار المشهد الاعلامي وفوضى تمويلاته أصبح المشهد أكثر تعقيدا وتكريس الزبونية الثقافية أكثر فجاجة ووقاحة وزاد من تعقيداته المناكفة السياسية والاقصاء على أساس الهوية. وما الفرانشيز الثقافي إلا الوجه الاخر لكسل المنوال الاقتصادي والسياسي والفرانشيز الاقتصادي.
هذا حقل لم تصله الثورة بعد.

Exit mobile version