الإضرابات السياسية: قوانين ستالين للعمّال، ورُجولة تاتشر

سليم حكيمي
بعد ثورة 1917 في روسيا، اعتبرت الإضرابات العمالية تخريبا مضادا للثورة، وحين صعد ستالين للحكم، برمج للخطة الخماسيّة الأولى للتّصنيع. ولنقل روسيا من مجتمع زراعي إلى صناعي، لم يتسامح “الرجل الحديدي” مع نظام العمل في عهد لينين. 1928، أصدر المجلس الاقتصادي وثيقة (تعليمات أساسية بحقوق العمال وواجباتهم). ونُشر كتاب القانون الاقتصادي السوفييتي عام 1935 : “إدارة الرجل الواحد هي أهم مباديء تنظيم الاقتصاد الاشتراكي” وصدرت القوانين التالية:

• كل مدير مصنع له سلطة اتخاذ القرار كاملة.
• الأجور التي كانت تحدد بالتفاوض بين النقابات والإدارة صارت مع مدير المصنع فقط.
• إلغاء يوم 7 ساعات وإدخال نظام الأجر بحسب الأداء، حتى صار أجر حوالي ¾ الصناعيين سنة 1934 يتحدد حسب إنتاجهم، مما سبب وزرع العداء بينهم.
• يُحرم أي عامل من التنقل إلى وظيفة أخرى دون ترخيص رئيس المصنع.
• يتنقل العمال بجوازات سفر داخلية ويمنع أي شخص من تغيير محل سكنه بلا إذن.
• 1930 يمنع أي مصنع من تشغيل من ترك عمله السابق بلا ترخيص، وفُصل خلاله عمال لعدم المساهمة -يوم راحتهم- في يوم عمل مجاني، وكتب في جواز سفرهم، “مفصول لتخريب خطة الإنتاج”.
• يعرض للفصل والطرد من المسكن إذا كان متصلا بمحل، أي عامل يتغيب عن العمل ليوم واحد بلا عذر.
• من يتأخر عن العمل أو يغادره قبل الموعد أو يطيل فترة الغذاء، يعرّض نفسه للنقل إلى مستوى أقل من العمل، والطّرد إذا ارتكب 3 مخالفات خلال شهر.
• وفق “مرسوم 1938″، يُفصل من العمل من تأخّر بـ 20 دقيقة 3 مرات في الشهر، وكل مصنع لا ينفذ العقوبات سيتعرض رئيسه للطرد والمحاكمة، حتّى أصبح العامل المتغيب ولو ليوم واحد بلا سبب مقنع معرضا للعمل الجبري -بلا حبس- لمدة قد تصل إلى ستة أشهر في مكان عمله المعتاد وبخفض الأجر بما يصل إلى 25 %.
• وفق “مرسوم” 1943، ُوضع عمال السكك الحديدية تحت إمرة العسكر.
سنة 1984 في بريطانيا أضرب عُمال المناجم حَولا كاملا دون رضوخ الحكومة، في خصومة عرفت هزيمة نقابة عريقة ضد نظام نيوليبرالي صاعد، حيث قررت رئيسة الوزراء “مرغريت تاتشر” كسر عربدة نقابات صلبة عطلت الإنتاج وعميت عن الترهل الاداري وتُخمة الموظفين، ابتزت الحكومة بزيادات متتالية دون ربط ذلك بالانتاج، مما جعل بريطانيا تُلقب بـ “رجل أوروبا المريض” وتخسر 29 مليون يوم عمل، لينهار الجنيه الاسترليني أمام الدولار، وصارت تحت وصاية FMI. فتستكشف “تاتشر” أن غالبية الإضرابات تندلع من أقلية راديكالية ضد إرادة أغلبية عمالية صامتة ومُرهبة. خاصة بعد استفتاء بين أن %81 من البريطانيين رأوا في النقابة مُؤسسة مُعربدة، ومن هنا جاءت فكرة فرض الديمقراطية داخلها، ولم يعد يمكن لأي زعيم نقابي أن يعلن عن الإضراب إلا بعد استفتاء يوافق عليه 85% من العمال، ولا يعوّض إضراب لم يحز النّصاب. ولما تجاهلت النقابات القانون جمدت الدولة أموالها.
لست معنيا باظطهاد الشيوعية لعمّال ادعت خلاصهم، فاستحالت أكثر قمعا لهم من نظام القيصر الذي ثارت عليه. إذ حطمت الشعوب كل أصنامها، بل بأن لحظات البناء الكبرى تقتضي تضحيات حقيقية ووعيا راقيا. فمنافس العامل والموظف التونسي ليس العَرف والدولة بل العامل الاندونيسي والهندي والتايواني… الذي يتفوق عليه مهارة، وتدمير التعليم هو ضرب الاحتياطي الاستراتيجي للدولة.
في تونس، المشكلة هي “صابون قفصة وغسيل حفْصة”:
1. حكومة فوضى الأجور، تضيع موارد جبايتها من أباطرة الفساد، وتحتفظ بباروناته ليوم الفصل الانتخابي، وهم من كوّنوا شبكة نهب الدولة، لا ينهبون ما تحقق من نمو، بل على ما تبقى للمواطن من موارد معيشية. ولا ينفع مع سرطانهم دواء الأسبرين.
2. نقابة -كأنها لأقوى إقتصاد في العالم- !! تسَرّى بن علي بقيادتها، وحوّل أمينها العام إلى “وزير شغل”، هيأت في التفويت في عشرات المؤسسات العمومية الرابحة لصالح الطرابلسية. يوم 13 جانفي 2011، تفصّى عبد السلام جراد من المسؤولية، فأعلنت 4 اتحادات جهوية: تونس، بن عروس، منوبة، أريانة إضرابا عاما بساعتين -فقط بعد أن استشهد حوالي 200 تونسيا، و 4 إضرابات عامة بعد الثورة بعد مقتل بلعيد والبراهمي !!، بأجندات شخصية وايديولوجية وحسابات خاطئة، حزب غير مُعلن، بينما صارت نقابات في العالم شريكا في الانتاج أصلا. وحين يصير الإضراب أصلا والعمل إستثناء، وتتفوق ثقافة الإضراب على ثقافة العمل، تنهار الاقتصاديات، خاصّة في دولة غير ذات ريْع. من جرّأ الإتحاد على حكومة الثورة بعد 2011 للإطاحة بالترويكا، صعب عليه إعادة المارد إلى قُمقمه سنة 2014، النقابة التي تريد أن تحكم دون تحمّل تبعات الحكم، وتنسى أنه لا عدالة إجتماعية دون نمو، ولا نمو دون حفز العمل والانظباط، لم تحدّث يوما موظفا عن واجبه، تفرض شخوصها في دواليب الدولة في سرية، ثم تتبرأ من فشل الحكومة، ووقفت ضد إصلاحات حقيقية وتسببت في اختلال العُرف في المؤسّسات و”صار مرؤوس يتطاول على رئيسه في العمل، العزْري أقوى من سِيدُو”، وفقّرت الدولة من مواردها بـ 40 ألف إضراب وهو ما يساوي معدّل إضرابات أوربا في 12 سنة كاملة، لتجبرها على اقتراض 40 ألف مليار لخلاص الأجور، ثم تطالبها بتشغيل العاطلين “اُقتلوا وامْشي في جْنازتو”.
المصداقية في السياسة كالثقة في المعاملات الاقتصادية، وهو الفرق بين الحكومات، انقذت “تاتشر” اقتصاد وطنها من انهيار حتمي، فحصل 12.5 مليون بريطاني على محل سكن، ووضعت انقلترا بَنانها في دائرة التقّدم الاوربي المحيط بها من جديد، بعد أن استطاعت أن تخفض النقابيين من 12 مليون منخرط إلى 5 يوم رحيلها. لم تخش “قلة الشعبية الآنية، فالسياسي الحقيقي هو الذي ينشئ شعبية طويلة الأمد، ولم تكترث لمُجحف المطالب وواجهتها بعبارة “there is no alternative” “لا يوجد خيار آخر” مما جعل البريطانيين ينتخبونها ثلاثا على التوالي -في استثناء سياسي لم تعرفه بلادها منذ 160 عاما- لتقول : “بيّنت المعركة أن بريطانيا لا يمكن أن تصير بلدا غير قابل للتحكمّ كما أرادته الشيوعية الفاشية”.
لِله نساء…

Exit mobile version