صالح التيزاوي
راجت على وسائل التّواصل الإجتماعي صورة للمخلوع في منفاه مع ابنته وزوجها الجديد ذي الأوشمة والسّلاسل.
وبقدر ما أثارت الصّورة قرف واشمئزاز السّاخطين على المخلوع وهم كثر لأنّها ذكّرتهم بفساده وبطشه وبما لحقهم من نظامه من أذى، فإنّ أيتامه حرّكت في دواخلهم حلم العودة إلى زمن الغطرسة النّوفمبريّة قبل أن تدهَمهم الثّورة وتشتّت جمعهم وتجمّعهم… وتقطع عليهم طريق التّمعّش…
يتيم، ذلك الذي توشّح بالسّواد، فتسرّب السّواد إلى قلبه، وفاض حقدا وبذاءة على لسانه. يشاع أنّه حلف بكلّ الأولياء الطّالحين قبل الصّالحين بأنّه لن يخلع السّواد حتّى يغلق قوس الثّورات العربيّة في تونس كما فتح منها. ستنتظر طويلا “وستعلم بعد رحيل العمر أنّك كنت تطارد خيط دخان”. رأس الحرّيّة الذي تطالبون به عصيّ عليكم، لأنّها لم تعط تكرّما، بل افتكّت غصبا من العصابة النّوفمبريّة، ودفع التّوانسة من أجلها ضريبة الدّم. وليس أغلى منها ضريبة، فالحرّيّة لا تقدّر بثمن، والفرق شاسع بين من يدفع حياته ثمنا للحرّيّة ومن يدفع شرفه لإرضاء المستبدّين وتلميعهم…
يتيم وبائس في أيّامه النّحسات: حيث اجتَمعت عليه صورة المخلوع وقد تهدّم فَمه مع الذّكرى الثّامنة لثورة الحرّيّة والكرامة إلى جانب تقرير هيئة الحقيقة والكرامة عن الأربعين ألفا من الصّبّابة (بو 60د، وبو100د وبو200د وبو230د) من الذين باعوا مروءتهم بقليل من الدّنانير. فما أرخصكم !!! اجتمعت عليه تلك الأحداث فاحمرّت عيناه وتقطّعت أنفاسه وخنقته العبرة حزنا حتّى كاد يجهش بالبكاء على ما آل إليه وضع “الجنرال”. هكذا سمّاه!!! ألم تكونوا ترفضون تلك التّسمية لأنّها تلقى بظلال من الشّكّ على مدنيّة الدّولة؟ كان النّطق بها يعدّ تهمة تتناسل منها تهم كيديّة فلماذا تستعملها اليوم؟ إنّه المكر واستجداء العطف!!!
يتيم وبائس ومرتزق، صفات تليق بمن أبدى حزنا عميقا على ما آل إليه وضع “الزّعيم”… ما الذي يدعوك إلى الحزن؟
ما فعله المخلوع بالشّعب التّونسي يستدعي النّقمة عليه والمطالبة بجلبه مصفّدا في الأغلال لمحاكَمته بما سرق ونهب وعذّب وقتل وقنص وافتري على ضحاياه… غير أنّ الطّمع حرمكم المروءة قبل الثّورة وملأ قلوبكم حقدا بعدها.
ماذا يمكن أن ننتظر ممّن انهزمت عقولهم أمام غرائزهم؟ وماذا يمكن أن نتوقّع ممّن هانت عليهم كرامتهم فباعوها رخيصة بالفتات… تبّالكم وما اجترحتم !!!
تبكي على من نهب شعبا بأسره ولم تدمع عيناك للمئات الذين قنصهم أيّام الثّورة وأخذ حياتهم بطشا وغطرسة وفجع أهاليهم. إن كان قد أحزنك منظر المخلوع وقد تهدّم فمه، فاعلم أنّه حكم اللّه العادل… لقد حطّم أفواه ضحاياه وكسّر ضلوعهم وسلخ جلودهم وتركهم للأمراض تأكل أجسادهم حتّى الموت في سجونه. ولكنّ أحقادك قلوبكم المفعمة بالسّواد قد أعمتكم عن رؤية الحقائق وزادكم رجسا إلى رجسكم.