عن خيبة الأدب

كمال الشارني
عن تدمير موهبة القراءة والكتابة في تونس،
وأنا في هذا العمر، لا أستطيع أن أمنع نفسي من فضول الاطلاع على ما يفرض على التلاميذ في كتب النصوص المدرسية، لكي أرى حجم الجريمة التي تقترف في حق الأجيال القادمة بأموال دافعي الضرائب باسم التعليم العمومي، في مجال حب السرد وصناعة الخيال الأدبي، الذي سيكون محددا في توجيه وصناعة المواهب الأدبية والفنية فيما يأتي من العقود، إنها ما تزال رهينة مافيا الكتب المدرسية نفسها التي أعرفها،
أنا نجوت منها لأني عندما بلغت من العمر ستة عشر عاما، كنت قد التهمت أكثر من 80 بالمائة مما كتب نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وإحسان عبد القدوس وغيرهم من أدباء مصر، لو كنت ابن اليوم، لما نجت مني نصوص ماركيز وبقية كتاب أمريكا اللاتينية عن الطاغية وذل المجموعات البشرية وعن الحرية، لربما انفتح لي باب في أدب اليابان الحديث، ستكون الرواية الطويلة “كافكا على الشاطئ” شيئا مثيرا للدهشة في المراهقة ومعها ما أمكن من أدب الصين الحديث والهند وهو مترجم ومتاح لمن يريد، لقرأت وحفظت كل ما كتب محمود درويش ومظفر نواب عن خيبات الوطنية المزيفة، لاعتبرت نصوص عبد الرحمان منيف عن التعذيب مرجعا وطنيا ثم خماسيته بعنوان مدن الملح ممرا إجباريا لفهم هذا العالم العربي المعقد، ولاعتبرت أدب السجون شيئا مهما في قراءاتي، حتى إذا أصبحت موظفا في الأمن، تذكرت ذلك لكي لا يتكرر،
كم يبدو مثل هذا الكلام سخيفا أمام فلوس الكتب المدرسية التي لا تتطلب شيئا من كل هذا، لا تتطلب حتى مجرد القراءة أو معرفة ما يجري في هذا العالم، فقط معرفة من يمضي على الكتب المدرسية في الوزارة،

Exit mobile version