أهمية "السياسات اللغويّة"
زهير إسماعيل
ما بادرت به بلدية تونس قرار سياسي جيّٰد، لأنّٰه طرح “موضوع اللغة” وجعله في واجهة الاهتمامات، رغم ما أثاره من جدل يحاول البعض تحويله بالسيف إلى “معركة حزبيّة ” بأفق هووي مدمّٰر.
كتابة اليافطات والإعلانات بالعربية ليس بديلا عن الانتباه إلى أهمية وضع “سياسات لغوية” باعتبارها أحد أهم مقومات التنمية والتقدم التقني والاقتصادي. ولكن لهذا القرار فضل في طرح موضوع حيوي واستراتيجي ظل مغيبا لوقت طويل، وحتى حينما أثير فبارتجال وسطحية ولدواعي آنية ومبتذلة.
هناك المتحمسون للغة الفرنسية وهم ليسوا طبقة واحدة، إلى جانب من يقترح “اللهجة العامية” (وهي غير علمية) باعتبارها “لغة الأم” معتقدين أنّٰ التجارب المتقدمة إنما تقدمت لكون لغة المدرسة والعلم هي لغة الأم والبيت.
الحالة المثالية هي أن تكون “لغة المدرسة” هي “لغة الأم”، وهذا غير موجود على الإطلاق، إذ لا توجد لغة في العالم ليس لها “دارجة” (niveau linguistique) بما في ذلك الفرنسية: فرنسية البيت والشارع هي خليط من اللهجات الجهويّة والظواهر اللغوية متأثّٰرة بالشعوب المهاجرة (الأفارقة خاصة)، وتصل إلى حدّ “الڤجمي” الفرنسي ( le verlan)، وإذا ما تكلمت مع فرنسي في الشارع بالفرنسية “الفصحى” يقول لك: “إنك تتكلم مثل كتاب”.
الدول المتحضّٰرة لا تدرّٰس العلوم بلغة الشارع والبيت أو لغات أجنبية عليها، وإنّٰما اعتمدت معيارًا نابعا من التجربة يتمثل في أنّٰه لا نهوض ولا تنمية خارج اللغة الوطنية (سولو المتحصل على جائزة نوبل للاقتصاد إنما كان له ذلك بفضل تأكيده على أنّٰ اللغة والقيم الثقافية من صميم الاقتصاد).
إدخال عنصر المعرفة في الاقتصاد (اقتصاد المعرفة) يغير منحى النمو، عندما تكون اللغة الوطنية هي لغة العلم.
الذي يغيب عندنا هو “السياسات” ومن أهمّها “السياسات اللغوية”. ومن “سياسة اللغة” أن تكون العربية “لغة العلم” وأن يكون لها الصدارة، وهذا لا يتعارض مع أهمية تعلم اللغات وفيّ صدارتها الانجليزية (الفرنسية تأتي، في سياستنا اللغوية بعد الاسبانية والبرتغالية والالمانية والصينية والتركية والفارسية).
في كوريا الجنوبية 1108 معهد في سياسات التعليم، يجمعها أن لغة العلم في المدارس الكورية هي اللغة الكورية.