زهير إسماعيل
ارتاب “كبران الشمبرة” في أمرهما منذ يومهما الأول، فلم يكفه ما وصله عنهما من معلومات من إدارة السجن بكونهما سجيني “انتماء”، ولم يكفه سؤاله العنيف عن هويتهما: شنيّة قضيّٰتكم؟!! وهما يطآن الغرفة المظلمة والتي لا يُرى منها سوى من ازدحم من السجناء عند الباب بعيون منتبهة لا تكاد ترمش مسكونة بالسؤال لا يشبهها إلا عيون المواشي عندما يفجؤها صاحبها بفتح باب الزريبة…
الترقّب حقيقة الحقائق في السجن، تغدو معه كل حركة أو جلَبة أو صيحة غير مفهومة في الخارج توهّما لجديد يكسر رتابة الزمن الوئيد المتطاول ويزحزح حجر المكان المطبق على الصدور…
هو يعرف أنّٰ السجناء صنفان؛ “انتماء” و”حق عام”، ولا توجد منطقة وسطى بينهما… مرّٰت الأيام، والكبران مرابط على شكه، وضاعف إدمانهما تدخين الكريستال وجانب من سيرتهما من ارتيابه، ولم يسعفه الحصار المفروض على سجناء الانتماء من اتباع سيرتهما، فقد بلغ التضييق درجة لا توصف، فحُظر الحديث بين أكثر من اثنين، ومنع المصحف والسجادة والقلم والورق. وكان أحد الحراس الظرفاء يزور الشمبرة وقت الصلاة ليلاحظ إن كان هناك ما يوحي بـ”صلاة جماعة” من اثنين فما فوق. ورغم تباعد المصلين، واختلاف درجاتهم ، فمنهم من كان يصلي على السرير العلوي من “البيّاص” (lits superposés)، فإنّه كان يراقب حركة المصلّين المتباعدين ليتثبّت هل من تناغم في حركتهم قد يوحي بتواطؤ على صلاة جماعية “عن بعد”. وكان قبل أن يخرج ويغلق بتشفٍّ وحدّة ، لذاته نصيب منهما، باب الزنزانة المزدوج الأخرس لا ينسى أن يصيح بصوت عالٍ: جماعة الانتماء نحب دينُمْكم في الصلاة كي “البيستونات” واحد طالع واحد هابط”، خوفا على نفسه أكثر من خوفه من حركات يعرف أنّها لا تضيره إن تمت تأديتها جماعيا.
هذا الحصار، أو “السجن في السجن” لم يُسعف “كبران الشمبرة” ومن حوله في أن يعرف قصة هذين السجينين فهما من ناحية التهمة “انتماء” ولكن في سلوكهما وحديثهما القليل كثير من سيرة “الحق العام”، فكان يقترب من أحدهما وينبري جازما: أنت متاع انتماء ؟؟!! تي بالحرام منظرك منظر زبراط”، فيجيبه ليضاعف من حيرته: ربّي يغفر ويسامح في الّي فات”.
هما، ومن يشبههما عنده، حالة متوتّرة بين “الحق العام” و”الانتماء”…قفزت إلى ذهنه عبارة “الانتماء المذرّح” باعتبارها كلمة جامعة تنهي التوتر عنده، فكان كثيرا ما يسأل عند قدوم “الشمولة” لأحدهما: وينه هاك “الانتماء لمذرّح”؟
قبِلا التسمية باستطراف، في انتظار صدور الحكم، وقد تعددت جلساته وتباعدت. فإن أُدينا وحكم عليهما بالسجن فقد صح مزعم “الكبران القلق” فيهما بكونهما “انتماء مذرّح”، وإن كان الحكم بـ”عدم سماح الدعوى!” فلن يخرجا عن أنّهما “حق عام مسيّس”.
وهما بعبارة شيخنا “زورو” ملك الظرف والفصاحة: يا “حق عام” ضايع فيها يا “انتماء” يحشي فيه.
من قال إنّٰ الثالث دائما مرفوع؟…
- النص سرد، لا يعكس واقعا، وإن شابه بعضه.