1. هانت الأوطان
أتابع أثر تفاعلات الأحدات الجارية في سوريا وألاحظ باهتمام تمترس الأطياف التونسية في مواقعها مثل الشقوق التي تكونت في بعض الأحزاب:
• طيف متمترس إلى جانب النظام السوري باعتباره ممانعا ويعتبر الرئيس السوري قائدا عربيا “عظيما” قادرا على هزم إسرائيل واسترجاع الجولان… بل وتحرير القدس !
• طيف متمترس في موقفه الذي بناه عدد من التونسيين من خلال مؤتمر (أصدقاء سوريا) الذي دعا إليه الرئيس منصف المرزوقي ودعمته حكومة الترويكا… والذي ظل إلى اليوم يعتبر النظام السوري (نظام البراميل المتفجرة) الذي بعتمد على (الشبيحة).
ويتناسى الطيف الأول مثل الطيف الثاني حاجة الشعب السوري الشقيق إلى العيش في أمن وسلام وهو يواجه الحرب والدمار وهو مشتت لاجىء في أصفاع الأرض. هل هانت الأوطان ؟
2. ذكرى الجمهورية العربية المتحدة (مصر وسوريا)
تأسست (الجمهورية العربية المتحدة) سنة 1958 بين مصر (القومية الناصرية) وسوريا (القومية البعثية) ورغم العواطف الجياشة فإن أسلوب الحكم القائم على (سلطة الفرد المطلقة) لا على المؤسسات أدّى إلى إنهيار “الوحدة” في 1961… لم يؤدّ الإنفصال إلى حرب بين “البلدين” كما حدث عند إنفصال بنغلاداش عن باكستان… وبقيت في ذهني عبارات الزعيم جمال عبد الناصر عندما ظل يسمي سوريا بـ (سوريا الحبيبة) لأن الإنفصال لم يغير في طبيعة الشعوب وفي خصائص البلدين ولم ينقص لهما في خير كانا فيه بل أراحهما من مشقة “حوكمة سيئة”. الأوطان لا تهون.
مع الإقرار بأخطاء عبد الناصر الفادحة في نواحي أخرى كثيرة كتعيين عبد الحكيم عامر ممثلا له في سوريا (كأنها وصاية) بالإضافة إلى حرب اليمن وهزيمة حرب الأيام الستة النكراء.
3. سوريا اليوم هي “سوريا الحبيبة”
أؤكد الأخطاء التي ارتكبتها الترويكا وخاصة الرئيس المرزوقي في تنظيم مؤتمر (أصدقاء سوريا) ولم يكن مطروحا أن تتولى تونس أي دور يتجاوز إعلان تأييد (ثورة شعبية سلمية في سوريا).
إن إستمرار إعتبار ما حدث في سوريا هو “ثورة” إنما مكابرة وعناد لأنها تحولت إلى “حرب عالمية على الأرض السورية” شاركت فيها 83 جنسية (رقم رسمي أعلن عنه وزير خارجية سوريا وليد المعلم) وساهمت دول الخليج العربي بالمال -عبر شبكات عابرة للحدود- في تجنيد الشباب والفتيات واستقدام العائلات وساهمت شركات تابعة لمخابرات غربية أمريكية إسرائيلية (متعددة الجنسيات) في تسليح الجماعات وتدريبها ومدها بالعتاد.
ما آلت إليه الأوضاع حاليا هو إنقاذ وحدة (الوطن السوري) وفتح الأفق وعودة الأمل أمام (الشعب السوري) لإعادة المهجرين وإنهاء المأساة… هذه مسألة إنسانية نبيلة أهم من الحديث عن النظام السوري والرئيس السوري… ما يمكن أن يتجه نحوه الطيفان التونسيان هو (دعم السلم في سوريا) والأمل في حياة ديمقراطية تستحقها “سوريا الحبيبة”.
4. ليس انتصارا للنظام السوري
إن ما شهدته الساحة السورية فظيع يشبه ما شهدته الساحة اليمنية… مسؤولية نظام الرئيس بشار الأسد ثابتة ومؤكدة في جرائم الحرب المرتكبة ضد الشعب السوري… لكن تدخل قوى إقليمية ودولية غيرت المعادلة وحسمت المعارك لفائدة النظام السوري وهي :
• الطيران الروسي الذي دمر أحياء كاملة من مدن كبرى لاخراج المسلحين .
• مقاتلو حزب الله اللبناني الذي دخلوا الساخة السورية بعد أن تكونت (جبهة النصرة وتحرير الشام الممولة خليجيا) و (قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب الممولة أوروبيا وأمريكيا)… حزب الله يحارب من أجل منع إستهداف وجوده لأن سقوط النظام السوري يمنع عنه الإمدادات العسكرية الإيرانية.
• الحرس الثوري الإيراني بما يمثله من خبرة في مجال التدريب وهو الذي خاض حرب السنوات الثمانية ضد العراق، تلك المأساة التي فرضها غياب العقل الإستراتيجي لدى البعث العراقي.
• التدخل التركي بمنع “عسكرة” مناطق شرق الفرات وشمال سوريا حيث التهديد الجدي للأمن التركي حيث لا تغيب ألاعيب الخطط الغربية لضرب تركيا وإيران والعمل على نشر الفوضى فيهما.
“سوريا الحبيبة” كانت الإطار الجديد لصراع القوى العالمية أدى إلى انتصار الثلاثي (روسيا وتركيا وإيران) ولكن على التونسيين الإتجاه نحو “مساعدة” الأشقاء في سوريا على استعادة السلم وأحلام الحرية.