اللصوص …
كل شيء يعتريه الزيف في هذا البلد… الحبّ والثورة والإرهاب بل حتى إبتسام الثغر في وجه الولد.. وكل شيء يصنع حسب مضمون الطلب. حتى الفقر فيه مصطنع.. وأما الموت إنتحارا فرغم بشاعته، بات بضاعة في سوق نخاسة الإعلام تعرض في العلب !.
•••
عن العالم السفلي لمدينة باريس قبل قرنين من الزمان، ذكر فيكتور هيقو في إحدى رواياته ما يلي: كان يوجد في باريس، قرب دار الصناعة، دكان منزو ومعتم لرجل يهودي إتخذ من موهبة تحويل الأنذال إلى سادة أفاضل مهنة وتجارة.. كان يحتفظ بحجرة ملابس تحوي بدلات بحسب عدد المقامات في ذلك الوقت.. فهذه بدلة قاض، وذاك زي رجل دين، وتلك البدلة المخصوصة بالمصرفي، وفي الجانب الآخر علقت بدلة رجل دولة.. الخ… كان يؤجر هذه الأزياء للصوص باريس لقاء ثمن زهيد مدّة يوم أو يومين.. إنه المصمّم الرسمي لأزياء دراما النصب والمخادعة التي يلعبها المتحيّلون، بلا انقطاع، في شوارع باريس.. (بتصرف).
تذكّرت صورة هذا العالم السفلي وأنا أتابع عالم السياسة في بلدي، هذا العالم الذي أصبح أشبه ما يكون بحفلة تنكرية لا يرتادها غير اللصوص !.
الأنذال الذين خدموا عهود الإستبداد طويلا، ثم حاربوا الثورة بكل أنواع الفتن.
والأنذال اللذين إنكشفت عوراتهم بعد الرابع عشر من جانفي، والتحف بعضهم بأردية النسوة إتّقاء للظهور في العلن.
يعودون اليوم في زيّ السادة الأفاضل، ليسرقوا منّا فتات الحرّية الذي عمّدناه بدمائنا… باسم ثوّار خضراء الدمن !
يعودون اليوم بسترات حمراء وفي ظنّهم أن اكتساب الشرف منوط ببدلة سحريّة تبيّض الفساد وترسكل منظومة الإستبداد.
ثم ما لبثوا أن حاولوا السطو على معاقل الثورة في سيدي بوزيد والقصرين، هذه المعاقل التي اعتادت أن تتخضّب بالدماء مع كل فصل شتاء…
واليوم لبسوا جبّة البوعزيزي منتحرا.. ولكنّ الجبّة التي دنّسوها أحرقتهم وفضحتهم فخاب مسعاهم ولم تنطل أدوار خسّتهم على أحد..
والواقع أن السلطة الحاكمة ليست بأقلّ وضاعة، ولكن ما يشفع لها أننا نحن من رفعناها، وهي تحتاج فعلا إلى رعشة زلزال. وعلى هذه السلطة قبل ذلك والتي مازالت تحكم باسم الثورة أن تقبض على كل اللصوص المنتحلين صفة الثائرين، والذي ينصبون الكمائن لأحلامنا من خلال قصائد المدح للهوامش والمفقّرين.
أما اليهودي، مؤجّر البدلات، فنصيحتي في بضع كلمات: إغلق محلّ تجارتك القميء، فجميع المقامات جُرّبت.. وما عادت تناسب قامة أتباعك من المتحيّلين.
- مع الإعتذار الصادق لليهودي، أكان حقيقيا أو خيالا أدبيّا.. فنحن ننقد الأدوار وليس المعتقد.