فطنة أردوغان ودلالة تأجيله عمليات شمال سوريا
كما توقعت أردوغان الذي وصفته بكونه معاوية الثاني أجل الهجوم على حركات العلمانيين الأكراد الإرهابية في شمال سوريا لأنه حذر ويعلم أن رأس تركيا مطلوبة وأن الانسحاب الأمريكي قد يكون خدعة لجرها إلى حرب بضوء أخضر جنيس لحرب صدام في الكويت: ليس بالخب ولا يمكن للخب أن يخدعه.
لكن التأجيل ليس خسرانا بل هو تحقيق لأهداف الحرب دون حاجة لـخوضها. فإرهابيو الأكراد سيفهمون الدرس أي ما فهمه بقية الشعب الكردي.
سيفهمون أن مصلحتهم تقتضي الخروج سالمين مما ورطتهم فيه أمريكا وإسرائيل فوعدتهم بحمايتهم في حربهم على تركيا وسوريا والعراق لتغيير الخارطة مرة أخرى وتفتيت أشد من سايكس بيكو.
لكن للأسف فالوحيدون الذين لن يفهموا الدرس أبدا هم من يعرفون بالثورة العربية المضادة: فغباء صاحب المنشار ومن يغرر به من الأجوار سيحاولون مواصلة لعبة إسرائيل.
سيبقون حطب معركة لا تريد إسرائيل خوضها بمفردها لأن كلفتها ستكون باهظة عليها بشريا ولا تستطيع استعمال القوة النووية التي هي من دونها واهية.
وإيران التي لم تنتظر طويلا لتفهم الدرس لجأت إلى تركيا. وهي حتما ستعد أردوغان بأنها ستفرض على بشار التخلي عن حمقه والقبول بما كانت تركيا تنوي القيام به عسكريا ولم تعد بحاجة إلى الحرب وعليه أن يقبل بالأمر الواقع وعودة اللاجئين بمظلة تركية على الحدود الفاصلة بين سوريا والعراق.
ومعنى ذلك أنه سيتخلى عن توظيف علمانيي الأكراد وبعض الحمقى من العرب الذي استعملهم ومعه إيران في شمال سوريا وإعداد ممرها إلى الأبيض المتوسط.
وهي الآن يئست من ذلك ومضطرة للقبول بما تريده تركيا وحتى روسيا لأنها لا تريد منافسا في سوريا عدا إسرائيل.
وهذا كاف لأردوغان على الأقل مؤقتا. فهو سيتلفت الآن إلى معركته الأهم لحسمها أعني ما جعل تركيا تعتبر في أوروبا رجل الحداثة المريض.
أن يصل بتركيا قبل 2023 إلى شروط تحقق حلمه: أن تصبح تركيا من العشر الأوائل في العالم. وهو ما سيمكنها من أن تصبح مما ليس منه بد في أوروبا التي بعد الانسحاب الأمريكي ستفهم أنها صارت عارية أمام روسيا وأن تركيا جزء لا يتجزأ من أمنها.
أكاد أجزم بأن الله ييسر للمسلمين استئناف دورهم بنفس العامل الذي ظنت به نهايتهم بعد الحرب العالمية الأولى. فـمن كان الرجل المريض بدأ يتعافى وهو شديد الحذر. والدليل هو تأجيل ما كان ينوي القيام به. لم يغتر بقول البعض إنه هو الذي فرض على ترومب الجلاء عن سوريا: الأفعال لا الأقوال نصر من الله وفتح قريب.
ولو كان لدى حكام الثورة المضادة نزر عقل لسارعوا بالتخلي عن مؤامراتهم وللحقوا بالتغيرات السريعة في الإقليم التي ستجرفهم جرفا لأن إسرائيل لن تفيدهم في شيء بعد أن صار ترومب في وضعية لن يستطيع فيها هو بدوره مواصلة نفس السياسة في الإقليم بسبب ما حاولت بيانه في محاولة سابقة.
فحتى لو تصورنا إسرائيل تنوي الحرب مع إيران وهو الحل الوحيد الباقي لها بعد أن وصلت لنهايتها لعبة التنافس بينهما على ما يحيط بها ويتوسط بينهما مما صار أصحابه موتى لأنه تركة بين يدي حمقى أعني أن أرض العرب صارت مستباحة لأن وارثيها “فسدت فيهم معاني الإنسانية” (ابن خلدون).
صاروا عالة وليسوا أهلا لأن ينتسبوا إلى الرجالة الذي صنعوا دولة الإسلام فكانوا هم الورثة العملاء والأزلام وانقسموا إلى عبيد الملالي وعبيد الحاخامات ونكصوا إلى الاقتتال القبلي في المحميات التي تشبه المعازل الذي صنعها الامريكان للهنود الحمر رغم أنهم يسمونها دولا وممالك وجمهوريات ومشيخات وهي ضيعات للمستبدين والفاسدين من الغفراء الذين يعتبرون أنفسهم أمراء وشيوخ وملوك ورؤساء.