الإثنين 2 يونيو 2025
سفيان العلوي
سفيان العلوي

في التضامن والتنمية والمعونة الخارجية

سفيان العلوي

أثارت اللافتة الاشهارية لجمعية قطر الخيرية حول جمع التبرعات لسكان الشمال الغربي التونسي إستياءا كبيرا ومهما كانت النوايا فقد أساءت الجمعية لتونس بتسويق صورة بؤسوية مهينة. وحسنا فعلت الجمعية بالإعتذار والسحب الفوري لهذه اللافتة وحسنا فعل الضمير اليقظ الذي يرفض المعونة الخارجية المغلفة بالإساءة والتسويق السيء للقضايا العادلة. لكن المناسبة أيقظت مشكلا لا ينفع معه التعفف الكاذب ولا اللامبالاة.

هناك مشكل حقيقي في الموسم الشتوي لشرائح ريفية واسعة تسكن الغابات وعلى أطرافها وفي المناطق الجبلية والمنعزلة وهي مناطق تغافلت عنها الدولة لعقود في انتظار رحيل سكانها وكانت تجود عليها الشعب الدستورية مما يرد من مساعدات خارجية حسب مستوى ولاء سكانها للحزب/الدولة. عندما انسحبت الدولة ابتدعت صندوق التضامن 26-26 ليغطي إنسحابها ولكنه كان يغتني من معاناة الفقراء ولا يغنيهم وتحول إلى ضريبة مقنعة باسم الفقراء. وعندما انغلقت أبواب التمويل الأجنبي للمشاريع الكبرى التنموية الوهمية ظل العنوان التنموي الإجتماعي وفك العزلة عن المناطق النائية والإحاطة بالعائلات المعوزة هو حجة صيد المعونة الخارجية (ولازال).

بعيد الثورة تكشفت حقائق كثيرة عن حجم الفقر وجغرافيته وظهرت سياحة تضامنية لا تخل من تعاطف وتكاذب جماعي تمثلت في قوافل التضامن ورحلات جماعية بعنوان تضامني وصلت حد المبالغة واستفزت ردات فعل سلبية من لدن الأهالي عبرت عن نفسها في حرق مساعدات الفريب وتكسير حافلات المساعدة. فكان من البعض أن نظم رحلات تحمل الورود فقط مثل تلك الرحلة التي نظمها الفنان الطرودي.
خفتت هبة السياحة التضامنية بعيد الإنتخابات الأولى والثانية عندما أفصحت نتائج الإنتخابات عن هوى محافظ لا يروق “للعائلة التقدمية” ولا حتى لباقي الأحزاب والنخب. فعوض التشفي والحقرة التعاطف السابق الذي لم يعمر طويلا وبقيت الحاجة السياحية للخضرة والنزهة.

ولقد زالت قيود كثيرة عن تدخل المنظمات غير الحكومية الدولية وعن تكوين الجمعيات وقد اتخذت هذه الأخيرة عناوينا كثيرة لكنها في الأغلب عناوين خيرية وتنموية. وتراوحت مصادر التمويل بين أوروبية وخليجية. ولئن خفت دور الجمعيات الخيرية بحجة التضييق على مصادر الإرهاب (عن حق وباطل) فإن غالبية الجمعيات التنموية كانت تصرف الأموال التي تأتيها في تنظيم الملتقيات وحلقات التكوين في النزل ولم تمارس العمل الميداني إلا نادرا. ورغم حسن النوايا فإن عملا كبيرا لازال ينتظر لتجاوز عقلية المساعدة والإنتظارية التواكلية ولمساعدة الفقراء على مساعدة أنفسهم. كما أن إنسحابا مبكرا للدولة لا شيء يبرره في الوقت الحاضر.
لا شك أن الرهانات عميقة ومعقدة ولا يمكن إنكار دور المساعدة في تخفيف البؤس خاصة في المواسم المناخية القاسية لكن مجهودا تنمويا لا يزال قاصرا دون مستوى الإندماج الاجتماعي والمجالي المطلوب والمقبول في حده الأدنى ودون تحرير الطاقات الإنتاجية. وبعيد الثورة كان كثير يقول: “كنا نعرف أن هناك فقرا لكننا لم نكن نعرف أنه بهذا الحجم”. لكن الوعي بالفقر لم يتطور إلى تضامن وطني ممنهج ينقل المساعدة إلى التنمية وينقل الصراع على السلطة إلى التنافس الإيجابي لخدمة الوطن وتحرير المبادرة والإستثمار ودمج الوطن في الوطن.


اكتشاف المزيد من تدوينات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً

سفيان العلوي

اهتمام التونسيين بالسياسة

سفيان العلوي سبق وأن كتبت في السنوات الأولى للثورة أن اهتمام التونسيين بالسياسة غير عادي. …

سفيان العلوي

مازالت هناك فرصة للتدارك وللنظر من خارج ثقب الإبرة

سفيان العلوي لم اكتب عن خطاب الوزير التعبيري ولم أتوقع أن لحظة الانفعال الصادقة والتي …

اترك تعليق