تهنئة سريعة بهزيمة أمريكا لأصدقائي الممانعين
أخيرا انسحبت أمريكا الامبريالية العظمى من سوريا وقريبا من كلّ بلاد العرب، بعد أن روّجت لمسرحية نجاحها في القضاء على جماعات إرهابية عجيبة صنعتها مخابراتها من جهلنا (منذ أن نجح نموذج بن لادن الهوليودي) وسلّحتها ونقلتها من مكان إلى آخر في كل أنحاء العالم عبر ممرّات لا تحتاج جوازات سفر، وموّلتها من خزائن أدواتها الخليجية الغبية والمغلوبة على أمرها… ودمّرت بها الثورة السورية العظيمة على نظام من أبشع ما يمكن أن ينتج التوحّش البشري.
سيقول الأذكياء الملهمون بمدد إلاهي تشرّبوه من بركة عتبات الأئمة المعصومين المهديّين الغائبين منهم والمنتظرين أن أمريكا هزمها “الرجال” المتفوّقون بعقيدة النصر و”الجيش العربي السوري البطل” بقيادة زعيم فذّ وعبقريّ (هذا كلام يقال في العلن من دون حياء).
طبعا لا يهمّ أن تتسلّم امبريالية روسية “عائدة” يقودها زعيم مجرم ذو طموح امبراطوري مقاليد الشأن السوري عن الحليف/الشريك/الشبيه الأمريكي. لا يهمّ أن تتكفّل روسيا عوضا/ بالمناولة عن أمريكا بحماية إسرائيل وضمان دورها القديم: ذريعة كافية لتبرير إدامة الهيمنة على مقدّرات العالم العربي.
لماذا تنسحب أمريكا إذن إن لم تكن مهزومة مدحورة؟؟؟
الذين يدركون دور كارتيلات التصنيع العسكري المهيمنة على تجارة السلاح والطاقة في صناعة العقيدة السياسية والدبلوماسية الأمريكية، ويدركون حجم التفوّق العلمي لأمريكا، وآليات اشتغال الإمبريالية المالية، يعرفون أن دخول روسيا إلى سوريا كان باستدراج/تواطؤ/تكليف أمريكي خالص. وأن فرضية الإنهيار الأمريكي القريب مقابل الصعود الصيني والروسي لا يعدو أن يكون أمانيَ ووهما جميلا.
وحتى لا أتهم بأني أجعل من أمريكا قدر العالم، لا أظنّ أن الهيمنة الروسية (الإمبراطورية)/والصينية (الجشعة الخالية من أي قيمة أخلاقية)/والإيرانية (المدجّجة بالخرافة) على منطقتنا العربية ستكون “أنسب” لتبلور بديل وطني عربي مستقلّ عن مراكز الإستعمار العالمي.
أمريكا مركز إستعمار عالمي يناور في سوريا الآن (حتى إن كان مترددا في حسم صيغة حضوره الآني) ويطوّر استراتيجيات هيمنته على العالم، ويوظّف مراكز استعمار همجي روسي وإيراني وصهيوني بغموض. نقول غموضا حين ننظر إلى ردود فعل كل الأطراف الحاضرة في سوريا: لا أحد منها فهم الخطوة الأمريكية الغامضة… عدا بائعي الوهم الركيك هنا الذين سارعوا لرفع رايات النصر… نصر وهمي على جثة شعب حقيقي… حقيقيّ إلى حدّ الموت.