لا عاد يا مادام هذا الكلام ما يجيش
تخرّجت من الجامعة سنة 1992 سجّلت في المرحلة الثالثة ونجحت في السنة أولى لكن في الشفاهي هناك أستاذ قال: “لا”… قلنا: “تلقى الخير”. زملائي اليوم يُدرّسون في الجامعة ويشتغلون في وظائف في مؤسسات عمومية “صحّة وفرحة”…
سنة 1996 شاركت في مناظرة تابعة وزارة النقل… كنّا 1200 مُترشّح في الإمتحان الكتابي ثمّ أصبحنا 70 في grand oral وبقينا 9 للمُقابلة الشفاهية وهم طالبين 7.
كانت معي زميلة زوجها يشتغل في الشركة (إطار) كنت أتصل بها لمعرفة الأخبار وبقيت هي أيضا للنهائي رغم أنها “كعبة لا” ومازالت كيف تخرجت.
طلبتها على هاتف البيت كالعادة لأسأل على الأخبار… ما كادت تتعرف على صوتي حتى قالت لي “اسمعني أختي ما عادش تطلبني راك باش تضرّني… انساه رقمي وانساه اسمي.” وعلّقت!!!! “ملاّ راحة”… بعد مدة عرفت أنها تقبلت وأنا ترفضت… موش مُشكل (كنت نخلّص في الضريبة على الحرية). ومن وقتها كلما تقابلنا تدوّر وجهها وتهرب.
بعد 22 سنة قابلتها صدفة في مكان ما تقدرش تهرب مني… تردّدت ومن بعد ابتسمت وسلّمت علي… بعد السلام والتوشحيل عرفت أنها أصبحت مُديرة وعندها سيارة وظيفة وأمورها باهية وهي عضوة في جمعية وناشطة في المجتمع المدني. وقالت لي “خسارة تتذكّر وقتها كنت متأكدة أنك باش تنجح لكن الله غالب ربي ما كتبش لعلّ فيها خيرة”…
ومن بعد أخذنا الحديث عن وضع البلاد ووصلنا لجماعة النهضة والتعويضات وتخمّرت كيفاش الناس في وضع البلاد هذا تُطالب بالتعويض… وبأي حقّ؟ وشكون قال لهم ما يخدموش؟ وهم هلكوا البلاد… يحبّوا يخدموا وما عندهمش كفاءة…
ابتسمت وقلت لها: “أنت تقول في الكلام هذا؟ هههه تي أنت خذيت لي بقعتي بسبب “الفرز السياسي” وكان الدنيا دنيا راني أنا مُديرة وأنت الله أعلم بك وين… ربما راك في الشارع رافعة شعار “التشغيل استحقاق يا عصابة السراق” … أما بفضل الدولة الظالمة وبفضل أمثالي من المفروزين أنت اليوم مديرة وعندك سيارة ووظيفة وتحصلت طوال العشرين سنة الفارطة على أكثر من 250 مليون موش من حقّك وعملت حياة وعشت في رفاه وأولادك كبروا ويقروا في الخارج… أنت خدمت لأنّ زوجك كان موظف في الشركة وعنده معارف وحتى الأسئلة كانت تجيك لباب الدار وأنا كنت مطفية الضوء وعاملة روحي موش فاهمة… وتنجم تقول أنت سرقت بقعة غيرك وسرقت مُستقبل غيرك وسرقت حياة غيرك وأمثالك بالآلاف واليوم خارجين رافعين شعار بقدّاش كيلو النضال؟”… ارتبكت وقالت لي “لا عاد يا مادام هذا الكلام ما يجيش… أنا وصلت بذراعي وبشهادتي والفلوس إلّي خذيتها مُقابل خدمتي. وأولادي يسلّم قرايتهم وتميزهم… هذا كلام موش في مستوانا…”.
إييييه موش في مُستوانا صحيح… لكن خلّوا بين الناس وبين “الدولة” التي مارست الفرز والإقصاء وظلمتهم وخلاّتكم تسرقوا لهم حياتهم … على الأقل كيف سرقتوا حقّ غيركم “احشموا واصمتوا”….
آلاف الأساتذة دخلوا بالرشوة وبالواسطة وبالصبّة ومئات الجامعيين تقلّدوا مناصب في الدولة لأنهم اشتغلوا بوليسية وكانوا يصبّوا بزملاءهم (عندي شهادة من عبد الوهاب بوحديبة مزلزلة)… وآلاف القيمين والمراقبين في القباضات المالية دخلوا بالمعارف وبالرشوة وبالقوادة…. (عندي قائمة في قوّادة وزارة المالية والناس إلّي دخلوا يخدموا بصبّة).
اليوم رافعين شعار “رجّع الفلوس؟”… قبل كلّ شيء “رجّعوا حياة الناس إلّي سرقتوها”…
لأنّ الحياة لا تُقدّر بالفلوس…
قال له يا بابا وقتاش نولّوا شرفاء قال له وقت يموتوا كبار الحومة…
•••
هذا لا يعني أني عندي موقف (إيجابي أو سلبي) من حكاية التعويضات… لكن عندي موقف من “الصبابة” إلّي أصبحوا “وطنيين” وخايفين على مصلحة البلاد من “الخوانجية”…