في مثل هذا اليوم (18 ديسمبر) من كل عام، هل يمكن أن تحتفل بيوم اللغة العربية (ألا تستحي!) بلاد تعمل -يوميا- على التقليل من شأنها إلى حد إمتهانها !؟
ومتى عملت الدولة منذ الإستقلال (السياسي) على المحافظة على اللغة الوطنية ودعم إنتشارها !؟.
والحقيقة أن الأمر لا يقتصر في تونس على المسؤولين السياسيين أو مقدمي البرامج الإذاعية والتلفزيونية أو أصحاب المحلات التجارية أو غالبية الأساتذة الجامعيين أو الفتيات التونسيات أو بعض الأسر المحظوظة.. الخ بل يبدو كأن إتفاقا قد حصل بين كافة الشرائح على أن قضية اللغة الوطنية (وحمايتها) لا تمثل مسألة جوهرية وأن الحديث بالفرنسية (أو بالفرنكو اراب) أو بالعامية “المفرنسة” لا يمثل إشكالا (في كل السياقات) إن لم يكن -لدى البعض- عنوانا على التحضر والرقي الإجتماعي!.
وحتى لا نتشعب في عرض الظواهر وبيان الأسباب التي أنتجت أجيالا لا تحترم لغتها (بدءا من الإستعمار والبورقيبية والإنهزامية والفرنكوفونية والنظام التعليمي والسياسة… وانتهاء بالسلوكات الفردية…) فإن مظهرين إثنين على الأقل -في هذا الباب- يصدمان كل متابع للحياة العامة في تونس:
• أولهما، عدم احترام اللغة الوطنية على المستوى الرسمي وهو ما سمح للمسؤولين السياسيين (وعلى رأسهم رئيس الجمهورية!) بالحديث باللغة الفرنسية سواء في الإجتماعات الداخلية الرسمية أو المنتديات العالمية دون أي التفات إلى مسؤولية الدولة في ترسيخ اللغة العربية ودعمها وتعميم إستخدامها فضلا عن تأصيل الناشئة في هويتها العربية والإسلامية وانتمائها الوطني (الفصل 39 من الدستور).
ولذلك لا يبدو مستغربا -أمام موقف النخبة السياسية حيال اللغة العربية- دعم اللغة الفرنسية والترويج لها ولمنظومتها (الفرنكفونية) والتفريط المتعمد في السيادة الوطنية وقضية التعريب وغياب كل استراتيجية (أو حتى التفكير فيها!) لحماية اللغة العربية وتعميم إستخدامها. ولذلك لا يبدو مستغربا تسمية وزراء لا يحسنون اللغة العربية ولا يحترمونها ! وأيضا غياب كل سياسة لمقاومة “التلوث اللغوي” الذي يغزو ألسنتنا وأدمغتنا وشوارعنا وواجهات محلاتنا ونزلنا وجامعاتنا ومدارسنا ومنشوراتنا وأغانينا وإشهاراتنا… فضلا عن غياب المنظومة التشريعية المتكاملة في هذا الشأن وكذلك الإرادة السياسية والمؤسسات التي تحمي وتراقب إستعمال اللغة الوطنية في كافة مجالات الحياة وتشجع على إنشاء جمعيات الدفاع عن اللغة العربية والنهوض بها.
• ثانيهما، التهاون باللغة الوطنية في وسائل الإعلام وبالأساس في الإذاعات والتلفزات العامة والخاصة وهو ما فتح الأبواب على مصراعيها (سواء في نشرات الأخبار أو البرامج السياسية أو المنوعات التافهة) إلى الحديث بلغة هجينة (سواء من قبل الصحفيين المذيعين أو الضيوف) تمزج غالبا بين الفصحى والعامية واللغة الفرنسية. ومن الغرائب غير المسبوقة في هذا السياق تقديم نشرات الأخبار بالكامل في بعض القنوات الخاصة باللغة العامية وكتابة التعليقات والحوارات بشبكات التواصل الإجتماعي من قبل تونسيين باللغة العامية وبحروف لاتينية.
وربما سيشعر بعضهم بالمرارة (وقد لا يشعر البعض الآخر مطلقا!) من ملاحظة الصحفي بقناة الجزيرة السيد محمد كريشان الذي أورد أنه “يمنع منعا باتا في تلفزيون سلطنة عمان إستعمال أية مفردة أجنبية من المذيعين أو الضيوف وفي أي برنامج.” ثم علق بهذا الصدد “لو طبق ذلك في التلفزيونات التونسية لتوقف بثها بالكامل!”
فهل نحن فعلا نعي أية لغة نتحدث !؟ وأية جرائم نقترفها في حق لغتنا الوطنية !؟