شكون فوق الزيتونة؟
إنها مبروكة…
انتظرت أن تنزل من فوق الزيتونة امرأة بمواصفات مبروكة طبّاشة الزيتون (لدينا جميعا صورة نمطية)….
لمّا رفعت رأسي رأيت حذاء رياضيا وساقان طويلتان وقوام رشيق رأيت مبروكة تتخذ وضعية راقصة الباليه فوق جذع الزيتونة… ما شاء الله تبارك الله!!!
قالت أمها وهي تشعر بالفخر والإعتزاز بمبروكتها: “رڨيان” الزيتونة تتطلّب سنوات طويلة من التدرّب لإتقان الحركات والخطوات دون إلحاق الضرر بأعراف الشجرة وأفنانها…
فسّرت لي فاطمة أنّ جني الزيتون له منهجه وتقنياته التي تُكتسب بشكل تدريجي وتصاعدي، وكلّ موسم تنضاف إلى حركات مبروكة ومعارفها عناصر جديدة. وهذه السنة بفضل توجيهات الأم وتدريباتها اكتسبت البنت قدرات فنية جعلتها تحصل على أعلى المراتب و”رڨات” الزيتونة ….
فهي تخطّت الصعوبات الفنّية كمّيا ونوعيا وأصابعها تعوّدت على مُلامسة حبّات الزيتون وتشكّل حسّها وجسمها واكتسبا المرونة المطلوبة لممارسة فنّ “الرڨيان” فوق الزيتونة…. هي لا تطبّش ولا تفرّح ولا تلقّط، هي فقط ترقص الباليه فوق أغصان الزيتونة….
مبروكة تتحكّم في حركاتها فتُحافظ على توازنها وتنتقل بخُطوات ثابتة وراكزة في إيقاع هادئ … تناسق في طول الأطراف وليونة في المفاصل وعمود فقري مُستقيم… وابتسامة مزيانة لا تُفارق وجهها الجميل تدلّ على أنّ ذهنها تحرّر بشكل تام من ضغط المحيط وأنّ جسدها اكتسب قدرة فائقة على تحمّل الألم العصبي والعضلي… وما تسمع منها كان كلمت “باهي عمّتي” لأنّ الناس الكلّ بالنسبة لمبروكة يا عمّها يا عمّتها ما عندهاش تصنيف آخر للمحيطين بها…
تَثِب مبروكة من فرع إلى آخر وتُمسك بعُرف الزيتون فتتساقط من بين أصابعها حبّات اللؤلؤ الأسود فتُحدث نقرات على “الباش” نغمات مُنسجمة تمام الإنسجام مع حركاتها وسكناتها.
مبروكة لم تتجاوز السابعة عشر… تتعلّم في الخياطة في مدرسة للتكوين المهني. هي لا تُحبّ الزيت ولا الزيتون ولكنها تعشق مُراقصة الزيتونة… وكلّما ارتفع جذع الشجرة شعرت بالجموح. وكان duel أكبر.
مُذهلة أنت يا مبروكة…
الله يحميك لشبابك ويجعلك مصباح في مشكاة يوقد من شجرة مباركة زيتونة… لا شرقية ولا غربية زيتها يضيء جنوبا فتنتثر خيوطه شمالا…