العراء تعبير فنّي
للمرّة الألف أكتشف كم أنا رجعي ومتخلف وقروسطي
قال لي صديقي الحداثي: التعرّي فوق خشبة المسرح هو غير التعرّي في الشارع، الأوّل تعبير عن رؤية فنية وتسجيل لموقف ما من العالم والثاني حركة استفزازية مجانية، لم أجبه بل حدثته عن تلك الليلة المشؤومة في أوائل السبيعينات حين اصطحبت يمّة لمشاهدة عرض شريط سينمائي من بطولة فاتن حمامة وعمر الشريف على جدار المستوصف، وفي إحدى اللقطات احتضن البطل البطلة وقبلها، فانسحبت هنية بسرعة تحت جنح الظلام وجرجرتني وراءها لتشبعني ضربا وقرصا وشتما وهي تصرخ فيَ: يا ولد الحرام،كيفاش تهزني لحاجة فيها قلة الحياء والناس مخلّطة والرجال يتفرجو، كيفاش غدوة باش نقابلهم، وكيفاش باش نورّي وجهي، وقد امتنعت عن الخروج من البيت ومقابلة رجال الدوار أياما طويلة خجلا وانخذالا، ولم تغفر لي حماقتي غير المقصودة أبدا، وددت أن أقول لها ليلتها أن القبلة في السينما عمل فني، ولكنها كانت ستجهز عليّ ولم تكن لتفهم أن “قلّة الحياء” فنّ!
لرفاقنا الحداثيين جدّا، المتشبّعين بقيم التحرر من التقاليد والدين أهمس: مراعاة قيم المجتمع ودرجة نضجه لا يقل أهمية عن مراعاة الجوانب الفنية والتعبيرية، ومجتمعنا لا يقبل التعرّي أمام العموم، فلا بأس أن نراعي ذلك ولا نصدم مشاعره بتخريجات فنية صادمة تزيد في إرباكه، وقد يجعله يرد الفعل بطريقة غير محسوبة تعود بالضرر على الجميع.
الطيب الجوادي