عاتبني صديقي برفق قائلا :
– ألم تتعب من التغريد وحيدا ولا سرب ؟ جامعتنا العامة للتعليم الثانوي تمدّ إليك يدها، ولا أراك إلا عائدا إليها.
كان حديثه فيه من المجاملة قدر المخاتلة.. تبسّمت ملاطفا، ثم تلحّفت بالصمت العميق. وها أنا أكتب الردّ الذي لم يأت في حينه، احتراما للصديق :
سيدي، أنا لم أدّع يوما أنني خارج السرب أطير، كل سؤالي كان عن وجهة السرب، وعن لغة الغناء لأتبع الدرب.. فهل هذا كثير ؟..
أنا موظف مثلك، لا أملك من متاع الدنيا قطميرا، لم يترك لي الأهل سوى الآمال ميراثا، ولم أوفر من الوظيف أكثر مما يوفره العبيد. أنا نباتيّ للضرورة، وديوني حتى وإن قلّت كثيرة… أترك لأبنائي كل ملاليمي، واستبقي فقط ثمن السجائر ومرارة القهوة. ليس لدي أحلام للثراء، وأحلم دوما بمصير الفقراء.
فهل تراني، يا صديقي في نعيم ؟ ألست أولى من أفقر أفقركم بتحدي السلطة ورفع الهتافات، وبرجم الحكومة بأحجار الشتائم، وشظايا الكلمات ؟؟
لا تقل عني إذن، أنني طير وحيد،
المسألة باختصار هي سوء فهم للأمور، أنا أرى الأشياء بيضا، وجامعتنا ترى البيض سودا..
لنقل أنّ لبّ الاختلاف هو تأويل يجافي ما أعتقدته من دهور.. تأويل للغة وللأشياء، فالجامعة العامة تحتكر كل الفهم والتفسير، مثل حواريي المسيح، أوتوا من العلم الكثير.. ولأضرب لك الأمثال التالية :
• الحقّ في الإضراب تؤوله جامعتنا العامّة كحقّ مطلق في الانقطاع عن العمل دون ترتيب اقتطاع !…
• النضال تؤوله نقابتنا العتيدة إباحة لكل أشكال التسلط والفتوّة.
• المدير في العرف النقابي هو أسير أو رهينة، وإذا لم تنشأ لديه متلازمة ستوكهولم يصبح واش، أو أيّ شتيمة .!
• البطولة تعني أن تكفر بالدولة كفرا صريحا، وفي بعض التفاسير أن يصبح البطل النقابي هو الوزير والدولة.. فيمضي باسمه القوانين، والمناشير.. وجداول المهنة.
• المؤسسة التربوية لها معنى واحد في معجم كل نقابي، هي ساحة حرب وكفى، وطبيعي أن تترك الحرب في الساحة بعض الدمار والأثر !..
أنا لا أرى هذا الرأي أبدا، فنشأ سوء فهم بيننا.. وهو سوء سيطول..
سيدي،
أظن أن ثورة قامت، وأن عقل المستبدّ -رغم ذلك- لم يغادر أو يمت…
أنا مرب، وأريد للنضال أن يكون من ضمن الدروس التي يقدمها المربي، وليس درسا للبلطجة والتباهي في “حومة عربي”..
ولهذا.. يمكنك أن تقول أني سأظل دائما، أغني واحدا، خارج سربي..
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.