Site icon تدوينات

إقتراح لحسم معركة التعويضات

نور الدين الغيلوفي

نور الدين الغيلوفي

نور الدين الغيلوفي

1. لا تعوّضوا للضحايا.. لا تعطوهم شيئا.. لا تتعاطفوا معهم.. لا تذرفوا دمعا عليهم ولا يشغلكم من أمرهم شيء.. لم يناضلوا لأجلكم ولا ضدّكم.. يستحقّون كلّ الذي تقولون فيهم بعد أن رضوا بكم بينهم تجالسونهم وتحاورونهم وتؤاكلونهم وتشاربونهم وتناكفونهم وتسخرون منهم وتتغامزون عليهم.. وتتساءلون عن أثمان نضالهم وتتندّرون بسنوات ضياعهم بين ضباعكم.. سنوات مِنَحِكم في مِحَنهم.. وتستهينون بعذاباتهم التي كنتم أنتم مدبِّريها وفاعليها.. يستحقّون منكم كلّ الذي تقولون فيهم وما تفعلون بهم وقد نسوا مفردات الثأر والانتقام والقصاص والشدّ والجذب وتجاوزوا أوجاعهم ولعقوا جراحهم وأقبلوا عليكم يشاركونكم وطنا جعلتموه مزرعة تنهبونها وهِبات تتداولونها.. وبعد أن حرّروه (جميع أبناء الشعب هم الضحايا) قالوا لكم: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”.. وأشفَقوا على “غصرتكم” حين فرّ كفيلكم بلَيل وترككم رهائن بين يدي الحيرة والقلق والخوف والتحسّب.. تعدّون على أصابع يدكم أيّام بقائكم.. تركوكم تأكلون الطعام وتمشون في الأسواق بعد أن لبس رجالكم فساتين نسائكم وتنكّرت نساؤكم في جلابيب الراهبات القانتات الزاهدات.. تركوكم ورضوا بالعدالة.. وقالوا: بالعدالة والقانون نستردّ أعمارنا ونستُرُ أوجاعنا ونتجاوز عن عذاباتنا ونتغافل عن أخاديد تركتموها على أجسادنا لمّا كنتم تحتكرون لباس الدولة وتتغنّون بأمجاد صانع تغييركم ومعجزات منجَزاته بكم وفيكم…

2. لا تتعاطفوا معهم.. بل احصوهم عددا.. واحصوا الجلّادين بمختلِف درجاتهم.. واجمعوهم.. وليلقوا منهم ما لقوا كمّا وكيفا.. عينا بعين وسنًّا بسنّ.. مع ترك الرحمة وردم الشفقة وإرسال الانتهاك لكلّ حقّ إنسانيّ بلا حدّ ولا ضابط ولا قيد.. وليدعوا الجلّادين بأسمائهم وينشروا صورهم وليعلنوا عن آمريهم والمتعاونين معهم وليذكروا “القوّادين” بأسمائهم نساء ورجالا.. وبغالًا.. ليعتقولهم من أماكن عملهم وليخطفوهم من مضاجعهم في أوقات الفجر الأولى وقبل بزوغ الفجر.. ليأخذوا معهم الكلاب عند الاعتقال.. وليجمعوهم في المعتقلات بالعشرات والمئات.. ليصنعوا لهم تهمة.. ليحرقوا مساكنهم بأيديهم ويخلعوا عليهم تهمة حرقها.. ليجعلوا لهم اسم “الانتماء” لعنة تلاحقهم.. ليشتّتوا شمل عائلاتهم.. ليخصوا من يرونه يستحقّ الخصاء منهم.. وليغتصبوا الزوجات أمام أزواجهنّ بل ليغتصبوا الرجال أمام زوجاتهم وبناتهم وأمتهاتهم.. وليزيدوا فيغتصبوا الفتيات أمام آبائهنّ وإخوانهنّ.. ليمتّنوا سياطهم ليُحسنوا جَلْدَ الظهور.. وليجدّدوا أحذيتهم ليتقنوا ركل الأجساد.. وليشربوا براميل من البيرّة حتّى يُسرفوا في البول على جراحهم التي تركتها سياطهم.. وليهشّموا زجاج ما شربوه وليُقعدوهم عليه ويمنعوهم من دخول الكنيف.. ليصعقوهم بالكهرباء ويجبروا عائلاتهم على دفع فاتورة الصواعق.. وإذا مات منهم أحد ليحفروا نفقا ويدفنوه فيه أو يجعلوا لهم جسرا يحتفلون بتدشينه في بعض أعياد الوطن بعد أن يقيموه على جسده المهشَّم ويُعمّدوه بدمه المتخثّر.. وإذا وجدوا منهم رجلا ذكيّا ضربوه طويلا حتى يفقد الوعي ثمّ علّقوه مثل ذبيحة مدّة أسبوع رأسُه أسفلَه ثم فكّوا وثاقه وتظاهروا بمداواته بوصف حبّة تنتهي بإتلاف دماغه.. وإذا انتبه إلى حيلتهم أرسلوا عليه كلابهم.. كلاب الحقيقة بعد أن أعيا كلابَ المجاز.. ليجعلوا منه خرابًا بشريًّا وليتّخذوا منه أضحوكة بينهم وهم يزجّون وقتهم المتبقّى من سَحقه بلعب الورق على طاولة عليها آثار دمه وتحتها بقايا قيئه..

3. ليتركوا زوجته أمام القضبان تنتظر.. ليأخذوا منها قفّتها وما أعدّته له من فقرها على نار شوقها في قُدور أملها في جِفان انتظارها الذي لا ينتهي.. حتى إذا أوشك النهار على الزوال ردّوها على أعقابها وقالوا لها: لقد تمّ نقله إلى أقصى الأقصى.. ولا يبالوا بدموعها تغرقها عند خيبتها في عودتها تفرش بها طريقها الطويلة.. قبل أن ترتّب دفاتر أبنائها “اليتامى” ليستعدّوا لدروس غدٍ لا أبَ لهم فيه يشتكون إليه قرّ الشتاء ولا حرّ المصيف أو يسألونه حاجة ترسّبت في نفوسهم لم يقضوها.. ثمّ ليُجمِعوا أمرهم ويتقاسموا ما صنعته الزوجة من قفّة شوقها وليفترسوا أوجاعها وإذا غصّوا شربوا بعض دمعها.. أو دمه…

4. ليعذّبوه بعد الحكم عليه.. وليجعلوا حوله الوشاة من بين نزلاء سجنه.. ليفتعلوا له الخصومات حتّى يُفردوه في زنزانة يشاركه فيها البقّ وما نبش من البعوض وما نفق من جرذان الخراب.. ليتركوه بها حتّى تنسى عينُه الإبصارَ وأذنُه السماعَ.. ثمّ ليُخرجوه نهارا وليوثقوا يديه إلى خلْفه حتّى لا يحجب بهما الضوء عن عينيه الذاويتين الذاهبيتين في ما لا يدري ولا يرى.. وليصفعوا سمعه بصرير باب لعين لا يدري إن كان إغلاقُه دونه أو عليه..

5. وإذا تمّ لهم سقوط أسنانه وتلاشي سمعه وذهاب بصره وانحناء ظهره وتقطّع حبال صوته واستقرار البرد في ركبتيه فليمُنّوا عليه بالسراح.. ليردّوه إلى أهل لا يعرفونه وأبناء لم يلمسوه وزوجة نسيت رائحته وأمّ ذهب بها انتظارها الطويل فراحت إلى العالم الآخر تعدّ لها به لقاء بديلا..

6. ولا ينبغي أن يتركوه عند خروجه من السجن.. بل ليستمرّوا في ملاحقته.. ليحصوا عليه أنفاسه ما تقطّع منها وما اتّصل.. ليسجّلوا مواعيد سعاله ومواقيت تأوّهه وليزِنوا مدامع زوجته ويقيسوا قهر أبنائه.. ليفرضوا عليه الحضور إلى المخافر لتأكيد وجوده كلّ ساعتين أو ثلاثٍ.. ليقيسوا المسافة التي تفصل المخفر عن بيته.. وليعد إلى الإمضاء قبل وصول بيته.. ولا يتركوه بينهم.. ليطردوه في كلّ مرّة حتّى يُنجز فعل العَوْد وليسلبوه ساعةً بيده يضبط عليها مواقيت حضوره.. وإذا حضر ليتغافلوا عنه باللهو ثمّ ليدخلوه وليُسمعوه من الكلام ما يهدم ما تبقّى من قدرته على الوقوف.. وإذا مات قهرا ليحصوا أعداد حاضري جنازته وليحدّدوا أسماءهم وليحرموهم من ميراث دولتهم التي يحرسونها…

7. بمثل هذا لن يسأل بعضكم بعضا: بكم كيلو النضال؟ مع الاكتفاء من زمن العذاب الطويل بالعهد النوفمبري.. رحلة ربع قرن فقط من عمر دولتنا الوطنية.. خصمٌ مناسب للمتسائلين عن الأثمان.. أثمان مقادير النضال.

Exit mobile version