لست موصيك بمال أو جاه فهذا شأنك إن أردت أن تسعى في الأرض وتكدحَ. ولست مطمعك بإرث فقد عاش والدك بستر ربّ العالمين وحسبه أنّه لم يترك لك في تاريخه ما تخجل منه فقد زهد إلاّ فيما يرجوه من خالقه.. فألزم طريقته فذاك أحفظ لك.
قد أموت -يا ضناي- وفي قلبي ما لو جُمعت لي الدنيا كلّها ما خفّ حملي منه ولا شفيت نفسي من دائه. وليس أثقل -كما تعلم- على أبيك من أن يُغلب على أمره. وما غُلبت إلاّ في أرض الله الفلسطينيّة ! وإنّك تراه كلّ يوم يحزن كالأطفال ويبكي كالنّساء كلّما رأى طفلا فلسطينيا تتجاذبه أيادي الغزاة أو إمرأة من أرض المعراج يطأ رقبتها حذاء العسكر فيتعكّر مزاجه ولا يمدّ يده لطعامه بياض يومه ! أتذكر أيضا رقصه كالأبله كلّما سمع بطعنة خنجر في قلب صهيونيّ أو تفجير في تلّ أبيب أو ضربة قاصمة من ضربات الفصائل المقاومة فيقبّلك طويلا ويشترى لك الحلوى ؟!.. إنّك -يا إبن أبيه- تراه فتعجب من أمره وتسأل.. فيفيض في التّاريخ المقاوم من عملية “مطار اللدّ” حتى صمود جنوب الله من لبنان.. ويقول لك: “المقاومة لا هوية لها.. إلاّ البندقيّة” ويخفي عنك -خجلا- الهزائم والخيانات !
يا ولدي وقرّة عيني..
قد ينتهي بي العمر بغصّة العجز -أبعد الله مرارتها عنك- ولا أكحّل عيني برؤية القدس كعروس عربية باهرة فأكتب في رأس كرّاسك “هذا ما أوصاني به أبي”..:
لا تفاوض أبدا.. وحدهم أبناء الزّناة يفاوضون ! ذاك مدخل شيطان الخوف والتردّد والشك،ّ فلا تشكّ أبدا في أنّ فلسطين أرضك وقدسها عاصمة عربيّة فأقم آذان النّصر إذا دخلتها..
لا تفكّر لحظة في الإعتراف أو التطبيع وأبزق في وجه من يقول لك “هيّ مجرّد وجهة نظر”! فقد دبّت الخيانات من هناك.. وأنت -كما ربّيتك- لا ترضى بأنصاف المواقف.. فإذا دخلت مسجدها -ولسوف تدخله- يوما فصلّ لعيني أبيك ركعتين بسورة “الفتح”!
إذا وجدت طريقا إلى فلسطين فاذهب ودعك من بكاء أمّك واعذرها يا ولدي واعذر ضعفي أنا أيضا أمامك.. ولكن تقدّم واضرب عدوّك ! فو الله ما ربّيتك إلاّ لهذا فكن مفخرتي !
يا ولدي وساعدي..
لا تنظر إلى تاريخنا فتحرج أباك فقد فعلنا ما استطعنا ويشهد الله أنّ حكّامنا كانوا أشدّ علينا من عدوّنا ولكنّنا صنعنا بإرادتنا “ثورة حمراء” لنسوّي لك ولرفاقك الطريق نحو القدس.. فلا تقسُ علينا فأنت من أصلاب الفاتحين المظفّرين !
بعد هذا.. جئني إلى قبري وأقرأ فاتحة الله عليّ فقد قرّت عيني بك.
والدك “الخال عمار جماعي”