تدوينات تونسية

لا يمكن أن أظل على الحياد

مهدي مبروك

في مثل مسار العدالة الانتقالية لا يمكن أن أظل على الحياد فأنا منحاز حد النخاع إلى هذا المسار: (فلسفة، آداب، خلفية، مراحل، آليات) خصوصا وأن قوى الردة وأنصار النظام السابق وميليشيات وكتائب البنفسج النوفمبري بدأت حملة شرسة مستغلة مشاعر الإحباط والخيبة لدى الناس للتحرش بجبر الضرر وإهانة الضحايا وتحديدا مستحقيه بنشر أكاذيب وإشاعات تسهر عليها غرف سوداء.

للاسف ينخرط البعض عن دراية أحيانا وعن غير دراية أحيانا أخرى في ترويج سيل جارف من الأخبار والمعلومات الكاذبة كالقول أن مبلغ التعويضات الذي ستدفعه الدولة يبلغ 590 مليار. حسب وزير المالية السيد رضا شلغوم (وهو وزير ليس نهضاويا أو يساريا بما أنه إشتغل مع بن علي أي أنه من رجال النظام سابقا ومحسوب على حزب النداء) واستنادا إلى التشريعات سواء القانون المتعلق بالعدالة الإنتقالية أو قانون إحداث صندوق الكرامة فإن الدولة تساهم بمقادر “رمزي” تقريبا وهو 10 مليون دينار ويدفع مرة واحدة وهو ثمن ضيعة منهوبة زمن الإستبداد تقريبا. أما المصادر الأخرى فهي الهبات والتبرعات والمساهمات المواطنية أو المنظمات الدولية الخ.

الدولة لم تدفع إلى الآن مساهمتها هذه علاوة على أن الصندوق تحت تصرف رئيس الحكومة وهو طبعا خاضع إلى مراقبة لجنة التصرف في الصندوق ولا علاقة للهيئة به من حيث الإدارة والتصرف. أما الجزء الآخرالمهم من المصادر فهو متأت من أموال ملفات التحكيم والمصالحة التي تسترجعها الدولة. تقديرات وزير المالية والعديد من الخبراء أن مساهمة الدولة لن تتجاوز في كل الحالات 0.3 بالمائة مما يفترض أن يكون مبلغا كليا لجبر الضرر.

القانون ينص على أن جبر الضرر هذا يخضع كما ورد صريحا في القانون إلى قدرات الدولة وإمكانياتها. فضلا على أن ما يقارب 20 ألف من الضحايا بعد الثورة تنازلوا كتابيا عن جبر الضرر حسب تصريحات الكاتب العام للهيئة الأستاذ خالد الكريشي. فضلا على أن القانون يستثني عددا مهما ممن تحملوا مهام ومناصب عليا بعد الثورة (وزراء، ولاة ونواب، مشتشارو البلديات…).. ميلغ الأموال المنهوبة من البنوك العمومية فقط في عهد بن علي حسب تقرير لجنة تقصي الفساد والرشوة للمرحوم عبد الفتاح عمر بلغ 501 مليون دينار ورغم ذلك لم يتباك هؤلاء على المال العام بل مرروا قانون المصالحة الإقتصادية.

إحدى علامات الثورة المضادة والدولة العميقة هو الموقف من العدالة الإنتقالية بكل أركانه بما فيها جبر الضرر. ليس لضرر النضال من ثمن أما الجبن و”النوم في عسل النظام وحضنه” فله ثمن باهض طبعا: دكتاتورية جثمت على رقابنا أكثر من خمس عقود… قتلت وشردت وسجنت وهدمت ما لا يمكن أن يعوض مطلقا…

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock