أطلعني المشرف على حسابي في الفايسبوك على سؤال من صديق في شكل لوم على ما ورد في مقالي حول مآل سياسة الإسلاميين بعد الثورة هذا نصه:
”كيف التغيير من خارج السلطة.. وما هي مقومات الفعل التي بين أيديهم وتفعيلها في الأمة جمعاء.. ثم أنتم تقومون أناسا حاولوا بكل جهدهم وقضوا شبابهم في السجون والمنافي ومنهم من قضى نحبه تحت نير الطواغيت.. ارى انهم يفعلون ما هو أقرب الصحيح.. ام تريده أن يعلنوا انهم يريدون إنتاج غذاءهم وسلاحهم ودواءهم!؟ تحليل الدكتور صائب واستراتيجية نعم.. لكن ما العمل اللازم على الأرض لتحقيق ذلك… تكسير الصخر البحث فيه عن المواضيع الضعيفة للبدء بها ثم يتتابع.. اما البدايات فسيرها بطيء..”.
فأمليت عليه الجواب التالي:
حسن: تريد رأيـي فيما ينبغي فعله؟
ألم تصبح البلاد بفضل الثورة مفتوحة لنشاطهم مثلهم مثل غيرهم؟
ماذا فعلوا غير الأنشطة المتخلفة التي لا تتجاوز التنظيم السياسي للوصول إلى الحكم والجمعيات الخيرية التي هي في الحقيقة لرشوة الناخبين من جنس ما يعمل حاليا صاحب (قناة) نسمة؟
هل بهذا تبنى الدول والنهضة أم هي مجرد وسائل للحكم دون غاياته الحقيقية؟
هل أسسوا نظام تعليم خاص من جنس نظام التعليم الخاص الذي هو كله تابع للكنيسة في الغرب كله وهو أرقى أنظمة التعليم؟
هل أسسوا جامعات حرة حديثة بحق دون دروشة؟
هل أسسوا معاهد بحث علمية جدية تتجاوز الإيديولوجيا التي تطبل لحزب همه الأول والأخير هو الحكم بشروط فرنسا وإسرائيل؟
ما الفائدة إذن من الكلام على النهضة والإسلام؟
فليقولوا نريد أن نحكم مثلما يحكم غيرنا في قطر تابع ومتسول ولا نفكر في بعث أمة كانت عزيزة وصارت ذليلة بسبب هذا التقزيم للسياسي والاستراتيجي. لهذا استقلت وتركت لهم ما لأجله حاولوا ما حاولوا وضحوا إذا كان لا يتجاوز ما سعوا إليه بعد توفر فرصة السعي الجدي: فاذا كان ما حاولوه هذا هدفه فهو لا يستحق التضحيات التي قدموها.
ذلك هو الفرق بين سياسة خدمة الإسلام وسياسة استخدام الإسلام”.
فلأشرح جوابي.
ولأبدأ بتعداد علل موقفي:
1. كلامي ليس مقصورا على إسلاميي تونس حتى وإن كانت المثال الأقرب لي والتي لعلي أدرى بها من غيرها في بلاد العرب.
2. كلامي يتعلق بأدوات تحقيق الهدف المعلن لوجود ما يسمى بالإسلام السياسي.
3. كلامي يخص التصرفات التي اعتبرها سر الفشل في كل حركات الإسلام السياسي منذ قرن.
4. كلامي يتعلق بتضييع فرصة التصرف الممكن لتحقيق الهدف المعلن وخاصة إذا وصلناه بسبب وجود الإسلام السياسي بالشكل الذي بدا عليه بعد سقوط الخلافة.
وأخيرا:
5. فالحصيلة هي كما بينت في الجواب على اعتراض الصديق أن الإسلام السياسي سياسي بأفسد معنى للسياسة.
ذلك أن السعي المباشر للحكم من دون الشروط الاستراتيجية لتحقيق الهدف المعلن أعني استئناف الامة دورها يجعل الإسلام السياسي جاريا في إطار الظرفيات الحائلة دون الاستئناف.
وهذا التعليق على لوم الصديق فرصة لكي أشرح طبيعة الازمة التي تمر بها الحركة الإسلامية وليست نصائح بل هي تحليل استراتيجي في العمق. فإذا كانوا فعلا يريدون الخروج من الأزمة فليتدبروها حتى ولو انتهوا بعد ذلك إلى دحضها وبيان سلامة رؤيتهم رغم المراوحة في نفس المعضلة: المسارعة إلى ما يتوهموه الثمرة وهي حصرم وليست الثمرة.
فمن ضيق الحوصلة توهم الإسلام بحاجة للحركات التي من هذا النوع ليبقى دين الأمة.
فهذا أمر كان مفهوما في البدايات عندما توهم الكثير أن الإسلام كعبادات وشعائر مهدد وكان ينبغي أن يوجد ما يشبه منظمة الاخوان المسلمين للمحافظة على ثقافة الإسلام وقيمه في تكوين الأجيال.
لكن ذلك لا يتجاوز المحافظة على الموجود في إطار التفتيت الجغرافي والتمزيق التاريخي وعندما ننتقل إلى البعد السياسي من الإسلام لا يمكن أن يكون الأمر مقصورا على ركوب فرس واحد هو التربية الدينية للمحافظة على الإسلام كدين شعائر بل لا بد من استراتيجية تحقيق سيادة دار الإسلام.
وهذه السيادة تعني شروط الحماية وشروط الرعاية وهي مستحيلة التحقيق بمنطق التربية الدينية في إطار التفتيت الجغرافي والتمزيق التاريخي اللذين سيزداد ترسيخا إذا اراد الإسلام السياسي أن يصبح حاكما في المحميات التي ستبقى محميات تابعة بل ستزداد تبعية وسيصبحون أدوات “تمسيح الإسلام”.
وما أعنيه بـ”تمسيح الإسلام” هو ما يسمى باحتشام “وسطية الإسلام” بمعنى تحييده في الخيارات السياسية الكبرى لأن ذلك هو شرط الحماة للمحميات العربية للسماح للإسلاميين بالمشاركة في الحكم ككمبارس مماثل لما نشاهده في البلاد العربية التي يوجد فيها تمثيل رمزي للإسلام السياسي.
وأول الشروط هي التخلي عن مدلول “دار الإسلام” والخضوع للجغرافيا التي فرضها الاستعمار وللتاريخ الذي فرضته المحميات لتشريع وجود الأقطار المنفصلة والدار المفككة التي أساسها نفي وحدة الأمة المادية والتاريخ المبعثر الذي اساسه نفي وحدة الامة الروحية: القضاء على وحدة الأحياز.
فأي فائدة من الكلام على إسلامي سياسي إذا كانت الحركات الإسلامية تقبل هذه الشروط حتى تشارك في حكم لن تكون فيه أحرص من الأنظمة القومية والطائفية والعلمانية قولا بالدولة القطرية التي ليس لها من الدولة إلا اسمها لأنها محمية وليست دولة ذات سيادة في الحماية أو في الرعاية؟
وليكن مثالي من تونس بلدي المباشر: هل يعقل أن يقبل الإسلامي الشروط التي تفرض عليه ليشارك ككمبارس في الحكم بشروط أشد مما كان يفرض حتى على بورقيبة وابن علي؟
وأعني أمرين بالذات:
• التبعية المباشرة لفرنسا والتطبيع التام مع إسرائيل؟
• ومعهما القبول بما يفرضه عملاؤهما في تونس؟
وبهذا المعنى ضربت مثال السلوك العجيب منذ ما يقرب من ثماني سنوات:
• لم أسمع بتكوين نظام تعليم حر حديث لأن الجمعيات الدينية لا تحتاج للأحزاب.
• ولم أسمع بتكون جامعة حرة حديثة.
• ولم أسمع بتكون مراكز بحث علمي حديث.
ما أراه هو استخدام الإسلام وليس خدمته: هذه المشاركة تضر الإسلام ولا تفيده لأنها تحول الأمر كله إلى معارك سطحية حول سلطة زائفة لأن الانتخابات والأغلبيات الفوقية لا تغير موازين القوى السياسية الفعلية.
كيف ذلك؟
الجواب بسيط:
لماذا استضعف الإسلام منذ بداية الانحطاط إلى الآن؟
هل لأن العبادات قلت؟
هل لأن المسلمين يحتاجون لفقهاء يفتون شكليا بالاستسلام تحت عنوان الوسطية؟
أم لأن شروط القوة الفعلية فقدت بسبب فساد نظام التربية ونظام الحكم وكلاهما لا يمكن إصلاحه بمشاركة رمزية فيهما؟
لو كنت أعتقد أن الأمة يمكن أن تستعيد شروط السيادة من دون استعادة شروط قوتها وعزتها المفقودة والتي منهجية الإسلاميين تحول دون استردادها وهما كافيان للمشاركة في السياسة التي ارفضها لما استقلت من العمل السياسي المباشر: فلا يعنيني من السياسة السلطة الوهمية في المحميات التوابع.
كنت أعتقد أن المنهجية الإسلامية التي اعتمدتها حركة الإخوان أدت وظيفتها وانتهى دورها.
فهي حافظت على التربية الإسلامية وهذا جهد عظيم وأحيت روح الاجتهاد والجهاد في شباب الأمة.
لكن بعد الثورة كان ينبغي أن تتغير المنهجية.
ذلك أن الفرصة للشروع في الفعل الاستراتيجي الذي يحقق شروط الاستئناف أصبحت متوفرة على الاقل في البلاد التي حدثت فيها الثورة خاصة لو تجنبت المسارعة في الاستحواذ على ظاهر السياسة بالسعي إلى الحكم دون شروطه العميقة: وتلك قوة وهمية سرعان ما تتبخر.
أصبح بوسع الحركة الإسلامية أن تفتح نظام تعليم حر حديث وأن يؤسس لجامعات ومعاهد حديثة ليس من مهامها التربية الدينية التي صارت مؤسسات مستقلة وحرة في العمل أو هكذا كان ينبغي أن تكون نابعة عن المبادرة الشعبية التي ثارت وليس من أدوات من يستخدم الإسلام أداة سياسية بدلا من جعل السياسة أداة لخدمة الإسلام.
والفرق بيّن:
فعندما تحقق شروط القوة الفعلية أعني استراتيجية بناء ما بفقدانه فقد المسلمون السيادة حماية ورعاية تكون السياسة في خدمة الإسلام.
وعندما تكتفي بوظيفتي استخدام الإسلام أعني الجمعيات الدينية و”الرشوة” الاجتماعية فأنت تؤسس لما يمكن تسميته كنسية وليس حركة سياسية.
بعد ثماني سنوات حكمت فيها النهضة ثلاثة وحدها وواحدة مشتركة فعلا وأربعة بمشاركة رمزية لم أسمع أنها حققت شيئا من شروط القوة أعني مؤسسات تربية علمية حديثة حرة رغم أنه لا شيء يمنعها من ذلك بل واصلت نفس السياسة التي كانت مقبولة قبل الثورة وأصبحت فاقدة لكل معنى بعدها عدا التوظيف قصير النظر.
وكم أعجب من توهم الفكر مقصورا على الإيديولوجيا الخادمة للحكم.
كيف لا يفهمون أن المكتبات الثلاث التي لها صلة بالمعرفة في تونس ما تزال بيد فرنسا (الآباء البيض ومكتبة دوغول ونهج لينين)؟
كيف لا يفهمون أن العلوم الطبيعية والإنسانة والفنون والشباب الباحث عمن يعنى به فيها لا يجد مؤسسات ولا جامعات حرة وراقية تعنى به؟
كيف لا يفهمون أن جل النخب العربية في المشرق العربي التي أنسب إليها جل النكبات تخرجت من جامعات كونتها حركات دينية مسيحية وأهمها الجامعة الامريكية؟
كيف لا يفهمون أن المشاركة في الحياة الثقافية لا تكون بالتقرب من ثقافة الحثالة في تونس أعني سقط متاع التبعية الثقافية؟
أعتقد أنهم يفهمون ويتغابون لان همهم ليس تحقيق شروط الاستئناف بفهم دور الآجل في العاجل بل همهم هو العاجل فيكون كل شيء في خدمة الوصول إلى الحكم والبقاء فيه وإن بشروط أشد من الشروط التي كانت مفروضة على ابن علي وقبله بورقيبة: فلو حكمت النهضة وحدها هل تستطيع فعل شيء مفيد؟
أبدا لن تستطيع لأن ذلك أولا لن يـحصل إذا لم تقدم آيات الولاء لفرنسا وإسرائيل مثل أي حاكم آخر وثانيا فما تسميه الفصل بين الدعوي والسياسي هو كذبة لا معنى لها لأنه لا يوجد حزب في العالم ليس له دعوي وإلا لكان عمله غير مؤسس على مبادئ وقيم محددة.
المشكل أن الدعوي عندهم يقتصر على التعبد الـديني. لكن الدعوي في كل حزب هو قيم مرجعيته المؤسسة لاستراتيجيته وليس العبادات والشعائر.
وهذا من أخطر الأمور على السياسة وعلى الدين: فدينيا هو سيؤسس النفاق الديني للحاجة إلى التوظيف السياسي ويفسد الدين وخاصة الفقه. وتلك هي علة رفضي القطعي لما يسمى فقه المقاصد.
فهو الحل السحري لتبرير كل انحراف ديني باسم المقاصد التي هي كذبة على الله: فمقاصده في أحكامه لا يعلمها غيره.
وإذن فالتعليل فيها مقصور عليها ولا يمكن توسيعها فضلا عن تغييرها باسم فهم إنساني لدلالاتها التعبدية.
ولا يوجد حكم فقهي ليس مبنيا على دلالة تعبدية من ثمراتها العلة الخلقية وهي غير كافية لتجاوز الطابع التوقيفي للتعبدي إلا بنفاق التوظيف السياسي: وهو ما يعني أن المقاصدية علمانية متنكرة تجعل الديني في خدمة السياسي وليس العكس: تبدو خادمة للدين بالسياسة مستخدمة له فيها.
وليكن مثالنا الدعوي في أي حزب أوروبي مؤمن بضرورة وحدة أوروبا شرطا في استرداد سيادتها التي فقدتها بعد الحرب العالمية الثانية:
هل يفصل بين الدعوة لشروط توحيدها واستراتيجيته السياسية كحزب؟
حسنا بماذا يؤمن حزب إسلامي أيا كان وما هي استراتيجيته السياسية وعلى أي دعوة ينبغي أن يؤسسها؟ هل على العبادات والجدل الفقهي؟
أم على شروط استقلال دار الإسلام واستئناف دورها في النظام العالمي الجديد؟
هذا هو المشكل بيني وبينهم من البداية وهذا ما كنت أشير إليه صيحة في واد.
إذا جعل أي حزب إسلامي العبادات من مقومات الدعوي عنده فهو يستخدم الإسلام ولا يخدمه. أما إذا جعل الدعوي عنده تعليل برنامجه واستراتيجيته بشروط السيادة في دار الإسلام فهو عندئذ قد شابه الأوروبي الذي يعلم معنى الاستراتيجيا السياسية لحزبه وعلاقتها بالدعوة التي تؤسسها: كيف نحقق شروط القوة في الحماية والرعاية لتكون لنا سيادة.
الحزب الأوروبي الذي يضع في دعوته ضرورة الوحدة الأوروبية لسيادة الأوروبيين لا يمكنه أن يفصلها عن سياسته.
والإسلامي ينبغي أن يضع في دعوته ليس العبادات بل استراتيجية التحرر من موانع استعادة وحدة المسلمين لكونها شرط الخروج من حالة المحميات التي توهم بأنها دول إلى شروط القوة ككل المجموعات في العالم لا يفصل الأمرين.
وعدم الفصل يعني حينها أن يكون عمله ليس بناء المساجد أو تكوين الجمعيات الدينية التي هي وظيفة المجتمع المدني بل عليه أن يؤسس المؤسسات العلمية التعليمية والبحثية وأن يترك الفكر لأهله فلا يكون الساسة فقهاء أو علماء لأن من شروط النجاح في العمل توزيع العمل وإلا فنحن أمام الدجل العام.
سوء فهم معنى الدعوة يعني في النهاية أن كلامهم على الفصل بينها وبين السياسي سيكون لديهم أحزاب بلا دعوة التي حصرت في العبادات ودعوة بلا رؤية سياسية لأنها مسحت فصارت فصلا بين ما لقيصر وما لله. وكلاهما مناف للإسلام.
دعوة السياسي غير دعوة امام المسجد التي فيها سياسة أيضا.
دعوة السياسي هي السياسي من مرجعيته أي القيم المتعلقة بحرية الإنسان وكرامته وكلتاهما مشروطة بمقومي السيادة -الحماية والرعاية- ولا واحد منها ممكن للمحميات التي فتت بها الاستعمار وحدة جغرافية الإسلام ومزق بها عملاؤه وحدة تاريخه فحالوا بذلك دون شروط عزته وقوته وسيادة شعوبه.
وسياسة الديني هي الديني العملي أعني القيم الشرعية التي تؤسس لأمرين أحدهما يتعلق بأصل كل قيم الإسلام أعني مضمون النساء 1 (وحدة الإنسانية) ومضمون الحجرات 13 (المساواة بين البشر) والثاني بحكم الجماعة نفسها بنفسها (مضمون الشورى 38).
وهذا هو مدار القسم السياسي من خطبتي الجمعة.
فصلهم بين الدعوة والسياسة جهل بالدعوي في السياسي وبالسياسي في الديني.
• فالأول السياسي يتعلق بالقيم التي تؤسس للسياسي من حيث هو أدوات تحقيق الغايات.
• والثاني يتعلق بغايات سياسة الوجود الدنيوي وهي منتسبة إلى العقائد بالجوهر.
سطحية فكر حركات الإسلام السياسي علتها جهل بهذين الحقيقتين.
ومن يجهل هذين الحقيقتين لا يمكن أن يدرك شروط الاستئناف ما هي :
1. وأولها استعادة وحدة الجغرافيا التي فتتها الاستعمار لأنها هي شرط التنمية المادية بمعايير النظام العالمي عامة والحالي خاصة.
2. وثانيها استعادة وحدة التاريخ التي مزقها العملاء الذين نصبهم الاستعمار لاستكمال مهمته لأنه هي شرط التنمية الروحية بمعايير الأمم العظمية ذات الدور الكوني.
فيصبح الإسلام السياسي بهذا المعنى إذا لم يفهم شرطي السيادة هذين مرحلة من مراحل استكمال ما بدأ خاصة بعد إنهاء الخلافة الأخيرة وتأسيس خارطة سايكس بيكو ووعد بلفور ودور الصهيونية والصفوية في القضاء على النهضة الاسلامية بقيادة الأمة السنية التي تجاوزت القومية والعرقية والطائفية وسوت بين شعوب الأمة وقبائلها بمبدأ الحجرات 13 : لا تفاضل بين البشر إلا بالتقوى لأنهم أخوة من نفس واحدة (النساء 1).
وتلك هي ثورة الإسلام ورسالته الكونية التي ينبغي أن تكون الأمة قادرة على حملها حماية ورعاية. وهي رسالة صالحة لكل زمان ومكان بشرط تحقيق شروطها التي ذكرت أعني شروط الاستعمار في الأرض بقيم الاستخلاف التي تعني أن الإنسان بمصطلح ابن خلدون يفنى إذا غلب على عزه وكرامته وحريته: “رئيس بالطبع بمقتضى الاستخلاف الذي خلق له”.
(المقدمة الباب الثاني الفصل 24: في علل فناء الأمم المغلوبة)
ومن يدرك هذه الحقائق لا يمكن إلا أن يهزأ من القول إن من يخرج من أي حزب إسلامي يفقد الوزن أو الدور في حياة الجماعة.
فهذا القول قد يصح بعض الصحة على التاريخ القصير.
لكنها في التاريخ المديد تعني أمرين كلاهما علة مأزق الإسلام السياسي الحالي:
1. الوهم الذي يعتبر السياسي المباشر هو المؤثر في أحداث التاريخ وهو جهل تام بحقيقة المؤثرات الفعلية في التاريخ.
2. الجهل بعلل الانحطاط: ذلك أن الفكر المباشر الذي يتوهم أن سطح الأحداث هو جوهرها لا يمكن أن يمثل حركة تتجاوز السطح فتغير تاريخ الامم.
ولو كان هذان الوهمان صحيحين لما كان القرآن مكيه مقدما على مدنيه، والحديث قدسيه مقدما على عاديه. وطبعا فهم ذلك قد يعتبر من الألغاز في الثورة الإسلامية.