الجهاز السرّي
تاريخيّا: تهمة كان النظام يلاحق بها كلّ خصومه الذين لم تترك لهم قبضة القهر حقّ التنظّم والتعبير عن أنفسهم… سنة 1968 حوكم بهذه التهمة أنصار حزب البعث في تونس في محاكمة شهيرة عرفت حينها بـ”خليّة 68″ وفرّوا إلى الخارج (أحمد نجيب الشابي كان على رأس الخلية المذكورة حينها)… سنة 1983 حوكم بهذه التهمة عناصر من الحزب الشيوعي (نالوا أحكاما بالسجن لمدّة 10 سنوات)… سنة 1987 وجّه النظام التهمة لحركة الإتجاه الإسلامي حينها ولكنّ القضاء قام بحفظ التهمة…
في المخيال السياسي: “السريّة” كانت ملجأ العديد من السياسيّين من الإسلاميين واليساريين والقوميين إلى درجة أنهم يؤرّخون لـ”النضالات” و”التاريخ السياسي” بـ:”السرية الأولى” و”السرية الثانية” ووو…
حاليّا: التعددية وحقّ التنظّم والنشاط السياسي باتت معمّدة بدماء الشهداء… لماذا إثارة الملفّ الآن؟ الإجابة لستم محتاجين للبحث عنها بعيدا فهي قد مرّت أمام أعينكم:
- يوم ندوة لجنة الدفاع، المحامي رضا الردّاوي صرّح بأنّ لجنة الدفاع تقدّم “مخرجا مشرّفا لوزارة الداخليّة” والحال أن كلّ الحديث خلال الندوة كان يدور حول ما يشبه “الأمن الموازي” (التوصيف إستعمله عبد الناصر العويني نفسه)… لماذا الحرص على تبرئة الوزارة التي تحتوي على “الغرفة السوداء”؟…
- سويعات بعد الندوة نشر صاحب خرقة “بزنس نيوز” الذي غادر “حضن الباجي” إلى “حضن الشاهد” إفتتاحيّة تتضمّن “كواليسا من القصر” تتحدّث عن لقاء جمع السبسي بمنجي الرحوي للتداول بشأن محتوى الوثائق وخاصّة بشأن تحويل وجهة الأنظار من التركيز على الصراع بين “عائلة السبسي” ويوسف الشاهد إلى إستجلاب عناوين الصراع ضدّ النهضة التي جرّدته من مصادر “الزعامة” في المشهد ومن كلّ سبل “الخروج من الباب الكبير” في نهاية عهدته الرئاسية. (إفتتاحية نزار بهلول منشورة بتاريخ 8 أكتوبر الفارط ولكنّ أحدا لم يعرها إهتماما).
- السبسي جمع مجلس الأمن القومي لمناقشة ملفّ “التنظيم السرّي” والمحيطون بالطاولة لا سلطة له عليهم في علاقة بالملفّ المذكور لأسباب قانونيّة وسياسيّة ولا يستطيعون الحسم فيه.. كما أنه تجاهل قبل ذلك التصريحات التي تحدّثت عن التخطيط لإنقلاب دموي كان هو شريكا فيه في صائفة 2013 في إعتصام الروز.. لماذا فعل ذلك إذن؟.. الإجابة مكشوفة جدّا وهي الإستثمار السياسي والإنتخابي..
- إذا كانت التصريحات في الفضائيات ووسائل الإعلام التونسيّة قد كانت نوعا ما “مدروسة” فإنّ الغايات الحقيقيّة قد أذيعت على شاشات قنوات السيسي والإمارات.. على قناة “سكاي نيوز” مثلا قال “أحدهم” بصريح العبارة “الملفّ سياسيّ بامتياز.. من المهم جدّا وضع حركة النهضة في الزاوية في هذا الملفّ”…
••• الشهيدان شكري بلعيد ومحمد البراهمي قتلا غدرا ومن حقّ التونسيّين جميعا أن يطالبوا بالحقيقة كاملة وراء عصابات وأيادي الغدر التي إستباحت البلد والشعب والثورة وليسا ملفّا موسميّا للإستثمار الإنتخابي والسياسي لأيّ كان…
إذا كان للنهضة، أو لغيرها، جهاز سرّي فليحسم القضاء المسألة لا أن يتمّ إستحضار التهمة على الشاكلة النوفمبريّة…
كلهم مستفيدون: السبسي وجد ملفا لمعاقبة حليفه السابق، يوسف الشاهد ومن حوله وجدوا ذريعة لمحاصرة الحزب الأكبر والأكثر صلابة في الحكومة… إلاّ الحقيقة فقد تم السطو عليها سياسيا والجبهة التي لم تستوعب درس خازوق 2014 لما تنكر السبسي لها..