تركيز الصراع السياسي مع النهضة حول ما يسمى “التنظيم السري” وعلاقته بالاغتيالين السياسيين، يدخل في خانة العبث السياسي الذي يتراجع بالمسار الديمقراطي الى الوراء. هذه المعركة تجعل من الصراع السياسي صراعا وجوديا في حين أن الديمقراطية تشترط ابتداءا قبولا بالآخر المختلف…
رئيس الجمهورية يلقي بثقل مؤسسته الرمزي والمعنوي وراء ملف متهالك وهو يعلم جيدا ضعف الأساس القانوني وتهافت المعطيات الواقعية المتعلقة بهذه القضية. لكنه مع ذلك يصر على توظيفه وتوظيف الجبهة ككل مرة من أجل تصفية خصومه السياسيين.
فعلها ونجح في 2013 ويعيد تكرارها اليوم. الأمر الذي حول الجبهة الشعبية الى جيش احتياط يستنجد به الباجي قائد السبسي كلما تطلب الأمر ذلك.
أما من جهة الجبهة الشعبية فلا شيء يؤكد حتى الآن يثبت حقيقة تحررها من الأيديولوجية والديماغوجية. فحقدها الأيديولوجي اعمى بصيرتها وارتهن عقلها السياسي ما جعلها تبقى أسيرة مقولاتها البالية في تقديم التناقض الأيديولوجي على مطالب الحرية والعدالة، وهي بذلك توغل في هدم ما تحقق من مكاسب ديمقراطية مثلما تورطت بعض فصائلها وكوادرها في الماضي في انتهاك الحريات وتعذيب المعارضين مع ميليشيات النظام السابق…
لكن يبقى السؤال: ما الذي يمكن أن يقدمه كل طرف للآخر في إطار حملتهما على حركة النهضة ؟؟؟
للأسف، لا شيء…
ليس لأن النهضة قوية أو حتى بريئة ولا لأنها الأصلح للبلاد في هذه المرحلة. لكن فقط لأن هزيمة النهضة تتطلب فرسانا يقاتلون وجها لوجه في صراع سياسي انتخابي ديمقراطي شفاف، وهذه الهزيمة ليست أكثر من قانون طبيعي يسري على كل الظواهر الاجتماعية والإنسانية بما في ذلك حركة النهضة…
أما العودة لأساليب الشحذ القديمة واستدعاء خطاب الإقصاء والتهديد، ففضلا عن عجز رئيس الجمهورية ونداء تونس والجبهة الشعبية عن الايفاء بمتطلباته، فضلا عن ذلك فإنه يضع التجربة الديمقراطية أمام عوارض جديدة تزيد من هشاشة المشهد السياسي الحالي.