العقود العجاف: تصحّر ثقافي وتعليم فاشل

منجي باكير

ليس من الخفيّ ولا من الجديد أن يذكر أنّ عقود الدكتاتوريتين في تونس خصوصا الأخيرة كانت تشكو تصحّرا فكريا وانعداما لكل أسباب الثقافة الفعليّة والفاعلة، إضافة إلى برامج تعليميّة مُسقطة، فاشلة مع سياسة ممنهجة لإفراغ التعليم من محتواه واختطافه عن رسالته السّامية وبالتالي خلق أجيال فارغة العقل تفتقر إلى أدنى متطلّبات العلوم والمعارف المؤهّلة لشغل أيّ وظيفة أو ملء أي فراغ إجتماعي.

أضف إلى ذلك تفشّي المحسوبيّة وظاهرة التعليم الموازي وبعث المؤسسات التعليميّة الإستثماريّة التي يديرها غالبا المتمكّنون من أهل التعليم المستكرشين أو المتنفّذين ممّن والوا السلطة واستحلواّ الثقافة واستباحوا التعليم ليوظّفوهما في بورصة المال والأعمال والسمسرة الموحشة…

هذا الوضع البائس لقطاع التعليم أفضى إلى أنّ كثيرا من الشّهائد العلميّة والتحصيليّة التي يحملها معظم مجاميع الثّقفوت المتحكّم في مفاصل الثقافة والإعلام والتعليم في بلادنا هذه الأيام هي محلّ كثير من الشّكوك والرّيبة على الأقلّ بمرجعيّة التاريخ الإجتماعي واستقراء حال التعليم وما شابَهُ من تردّي ومحسوبيّة ومقايضات مادية وحتى جنسية وتوصيات مخصوصة، زائد غياب للتقييمات العلميّة طيلة تلك العقود العجاف…

أما في باقي قطاعات المجتمع العاملة فإن أثر هذا التردي التعليمي يظهر جليا في انخفاض مستوى الخدمات والإدارة ومجمل المجاميع الخدمية كالصحة والتعليم (أيضا) والإدارة وغيرها، حيث أن خريجي هذه العقود من الدكتاتورية لا ترتقي معارفهم ولا تملكاتهم العلمية والعملية لشغل وظائفهم على النحو المطلوب في بلد يدعي ساسته أنه بلد التحضر والحداثة والرقي ويحاولون دوما ترتيبه بأفضلية كبيرة مقارنة مع البلدان العربية والإفريقية، في بلد ساسته أصموا آذننا دهرا من الزمن بأنهم راهنوا على العقل البشري..!

Exit mobile version