منذ أسبوع أحاول أن أبني موقفا يتعلق بمقاطعة الإمتحانات ولم أستطع. وأني أغبط كل من يقدر على ذلك وكل من مازال أيضا قادرا على الإصطفاف (أكره الكلمة) وراء نقابة تعيش بدورها “حيرة وجودية” وأزمة بقاء بعد أن تألّب ضدّها الجميع وتألّبت ضدّ نفسها ورفع عنها “الإتّحاد أكبر قوّة في البلاد” يده فبقيت في العراء وتركتنا للرّيح وللحجارة يلقيها الجميع ضدّنا كأنّما هو رمي للشيطان الجديد بعد أن صار الجميع فجأة ملائكة في البلاد المفعمة بالفساد.
وأغبط أيضا كلّ من مازال قادرا على رفع الشّعارات والتغني بوحدة القطاع بعد ما عاينت من إنشقاق وما سمعت من ردود فعل رافضة للمقاطعة بين قواعد تجد مطالب المنح غير مقنعة وتطالب بالزّيادة الحقيقيّة، وتنقد عدم قدرة النقابة على حمايتها وهي تعيش الإقتطاع الشهريّ لإضراب السنة الفارطة من الراتب.
وأغبط الأساتذة “الأبطال” الشاتمين غيرهم من غير المقاطعين، فالكثير مازال يؤمن بأنّ البطولة هي في الإنصياع لقرارات نقابة تكتفي بديمقراطية شكليّة، وتطعن في الظهر الزّملاء، وفي تقديم التضحيات الجسيمة (لم يقدّموا أكثر ممّا قدّمنا وقدّم الكثير من الزملاء الذين من حقّهم الإحتجاج والتعبير عن عدم إقتناعهم).
أغبط أيضا القادرين على إتّخاذ موقف سريع برفض المقاطعة، فأنا لم أستطع ذلك، وأكتفي بالحيرة الحقيقية التي لم أعش مثلها من قبل حين كنّا ننخرط حتى في الإضرابات السياسية زمن الإستبداد.
هل تصغي النقابة إلى ما تقوله قواعدها؟ هل فعلا إستشارت القواعد قبل أن تتّخذ قرار المقاطة الذي يظلّ شكلا تقليديّا تمّ تجريبه وانتهى بالفشل وبالعقاب التدريجيّ المنهك للأستاذ؟
لم لا تبادر إلى أشكال جديدة من النّضال؟ أشكال لا تفضي إلى الإصطدام مع الأولياء وتسمح في آن واحد بتدويل قضيّة الأساتذة بعد أن صرنا جميعا مرتهنين إلى صندوق النقد الدولي وإلى إملاءات من الخارج، كأن يخرج آلاف الأساتذة إلى الشارع مع عائلاتهم في يوم هو يوم الأستاذ وفي لباس موحّد وشعارات جديدة بعد أن فقدت القديمة وهجها، وباستراتيجيا مغايرة تبرهن على أنّ الأساتذة قادرون على الابتكار.
نحتاج إلى إبتكار أشكال جديدة إذا أثبتت القديمة عجزها عن بلوغ الأهداف، وعلى الأستاذ أن يبرهن على قدرته على الإستحداث ووضع تقاليد جديدة.
دون ذلك، سنظلّ “الآلهة التي تفشل دائما” بلغة إدوارد سعيد، أسرى الأنماط والقوالب الجاهزة، وسنظلّ بلغة قرامشي في حديثه عن المدرسين، مجرّد مثقّفين تقليديين يواصلون فعل الأشياء نفسها دون حركة أو تجديد فنكون أقرب إلى الكهنة الجامدين.
في انتظار أن يتحوّل قطاع الأساتذة إلى قطاع مبتكر قادر على كسب الرأي العام وإقناعه بمطالبه، سأقاطع انطلاقا من موقف أخلاقي لم يسمح لي مطلقا أن أخذل زملائي يوما حتى في أحلك المراحل.