تدوينات تونسية

المساواة في التصريح ولا تلميح

نور الدين الغيلوفي

عدّ أيّام عمره الافتراضي فانتهى إلى إنّه يكتب خاتمته.. آخر فقرة من نصّه الطويل.. التفت يمنة ويسرة فلم ينتبه إليه أحد.. كان ينبغي له أن يكون ذا شأن كما لم يكن من قبلُ وكما كان الذين هم من دونه.. غير أنّه لم يكن جَسورا بل ظلّ كامل عمره جسرا.. ظهرا يركبه طُلّاب الحصول على الوصول حتّى إذا دبّ فيه الهرم تُرك للزمن يسكب فيه عنفه ويجفّف من أوراقه..

بعثوه من مرقده.. ركب الموجة فارسًا.. جعلوه على ظهر مهرة جموح.. طمأنوه إلى أنهم سيحيطونه من جميع جهات الاستطاعة ولن يرضوا له بالوقوع مهما جمحت به الجامحة.. كان في القديم تابعا يقبع في صفوف الخلف.. يتوارى عن الأنظار متيبّسا مخافة أن يُرى متلبّسا بالذيول على وجهه علامات الذبول.. وكان وهو يعتلي ظهر المهرة بلا أجنحة تخفق فتثير مَن حوله… وظلّ بين غياب وصحو لا يكا يصدّق أنّ المهرة رضيت به على ظهرها وأنّ الحياة ابتسمت له في الختام.. قد يطول به الغياب ولكنّه كلّما صحا غمز المهرة ببقيه ممّا فيه فتجفل به منه.. ولكنه لا يلبث أن يعاوده غيابه كأنّه يذهب يطلّ على بيت الختام يتدرّب على أركانه ويستعدّ لرحلته الأبديّة..

في لعبة بهلوانية أخروية خاضها كتب كلّ ما لديه من أرزاق موروثة ومكتسبة باسم ورثته كما يبغي بما لا يعلم أحد، وتقدّم خطوة ليكتب سطرا بالمجلّة الباقية رآه ناقصا.. للنساء مثل ما يرث الرجال.. لأنّ للنساء عليه دَيْنا رأى أن يسدّده قبل الرحيل فلن يضيره من الأمر شيء.. سيُذكر اسمه في كلّ الأحوال.. وتقدّم خطوة أخرى ليصرّح بفقرٍ مأتاه زهد تربّى عليه من أقدم العصور في حجور أصحاب القصور.. لقد أورثوه زهدا جاء للتصريح به لعلّه يترك في البلاد ما لا تضلّ به من بعده أبدا.. مساواة النساء بالرجال في الميراث وجِرابُ زهد ليس به غير يد بيضاء.. يده..
والله على ما نقول شهيد.
ربّنا كم خلقتنا…

اترك رد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock