ما الذي يجري عندنا ؟
شخصيا لم أعد أستطيع الكتابة حول ما يجري في بلدان العرب عموما. كلّ أدوات التفكير السياسي لا تصلح للحديث عما يجري على أرض العرب. في السعودية مثلا: سلوك الطبقة/العائلة/العصابة المحتكرة للسياسة هناك ينتمي إلى ما قبل فكرة مكيافيلي وروسو ومونتسكيو فضلا عن الأنوار والدولة الحديثة وفكرة حقوق الإنسان. بل هي متخلفة عن العرف القبلي السائد في الجزيرة العربية الذي أنتج عقد “الإيلاف” المانع للغدر والتوحّش. الثروة النفطية التي تفوق الخيال خلقت حالة تفسّخ قيمي شامل لدى محتكري هذه الثروة أخرجهم من فصيلة البشر وحوّلهم إلى وحوش ضارية في يد مستعمر ذكيّ متفسّخ بدوره عن هويته الإنسانية بسبب انغماسه في سلوك الربح والنهب لتأمين حاجته من طاقة يتوقف عليها اقتصاده وحياته. مقابل العصابة الحاكمة طبقة “علماء/جهلة دين” تتوارث الخرافة والدجل وتختصر الدين في فتاوى سخيفة عن حرمات/حقوق الله مقابل نفي كلي لأي حرمة/ حقّ للإنسان.
السعودية حالة سياسية خارج العصر والعقل والتاريخ والإنسان.
في العراق حالة سياسية لا تقلّ عجائبية: هيمنة استعمارية عالمية (أمريكية وبريطانية أساسا) على الطاقة ونخب سياسية تتصارع حول فتات (وهو بمقاييس التبّع والمرتزقة كثير) الريع النفطي الذي تلقيه إليه شركات النفط لتموّل به تهريجهم السياسي الذي يسمونه انتخابات وبرلمان وحكومات. هرج سياسي تديره إيران ممتلئة بوهم السيطرة على العراق نكاية في خصمها الذي دحره الاستعمار بتواطئ فعليّ منها.
العراق الآن حالة انهيار تاريخي عصية على التفكير السياسي الحديث. حالة تمذهب خرافي بدائي تتغذّى من التشيّع الشعبي البدوي والمال النفطي الموجّه بعقل استعماري واع.
سوريا حالة سياسية محبطة ومدمية للروح: رئيس غضّ تربى في قطن الحكم الفردي المخابراتي المطلق، زجّت به عصابات المخابرات والعائلات المحتكرة للحكم والثروة في حرب إبادة لشعبه ونخبه وكلّ مقدّرات بلاده، ففتح وطنا كاملا على مصراعيه لعصابات المخابرات لقتل المتظاهرين من أجل حد ادنى من الكرامة ولعصابات التوحّش السلفي الجهادي التي غض عنها الطرف في البداية ليبرر توحشه قبل أن تتلقّف غرف الحكم في الخليج المدارة من قبل مخابرات غربية بالكامل (لا أستثني أي دولة انخرطت في تمويل وتسليح العصابات الجهادية في سوريا وأساسا السعودية وقطر، وتركيا ذات الحسابات القومية المعقّدة) خيط الفوضى المسلحة لتديره بهدف واحد لا غير: إجهاض الثورة الشعبية في سوريا بأي ثمن لمنع قيام نظام حكم وطني يحرر الشعب السوري من الاستعمار الداخلي قبل الخارجي.
كل ما حدث بعد ذلك تفاصيل: تدخل حزب الله وإيران كان على عين أمريكا التي احتلت مناطق النفط وانتظرت، وعلى عين اسرائيل التي ضربت كلّما قدّرت أن عليها التذكير فقط بقواعد اللعبة، وتحت عين وقدم روسيا التي وظّفت جحافل البدو الإيرانيين والباكستان والأفغان الذين حشدتهم إيران للدفاع عن عتبات الخرافة والسحر بحماس بدائي مثير للقرف واليأس، وظفتهم لتصفية الثوار الحقيقيين. وقد كان من بين السوريين المنتفضين ثوار حقيقيون معتّم عليهم من كل أطراف الحرب العالمية الدائرة في سوريا.
•••
هذه أمثلة فقط لن أزيد عليها…
العرب اليوم في قلب عملية تاريخية مصيرية تواجهها “نخبهم” بفوضى فكرية لا أرى أفقا لنهايتها. ليس تشاؤما طبعا، فلا معنى للتفاؤل والتشاؤم في مواجهة التاريخ الصلب، ولكن ما يسوؤني فعلا على الصعيد الشخصي، أن كثيرا ممّن كنت أظنّ يوما أنهم قادة تغيير، تحوّلوا أو تبيّن أنهم عوائق كبرى على طريق المستقبل.
هل بقيت بعض جدوى من الكتابة عن هذا؟؟؟