الطفل الذي أمسك قوس قزح

حسن الصغير

خلال تلك السنوات البعيدة كنت متهورا في أفكاري إلى حد اللامعقول، فطالما طرحت أسئلة غريبة كأي طفل يتلمس طريقه إلى الوعي والفهم لكن أغلبها ظلت أسئلة معلقة بلا جواب.
وبالإضافة إلى الأسئلة المتمردة كنت دوما أحاول القيام بأفعال مستحيلة كنت أعتقد أنها ممكنة ببعض الحيل مثل المشي في الفضاء والتحرر من الجاذبية، ومسك الريح، والتنفس تحت الماء، ورؤية الأشياء في الظلام وغيرها لكني كنت في كل مرة أفشل في المحاولة وفي معرفة سبب الفشل.

وكان أكثر ما يستفز تهوري ويذكي رغبة التجربة والمغامرة لدي هو فك طلاسم قوس قزح ومسكه، فقد كان يهزني بألوانه الجميلة الزاهية في تلك البيئة الريفية القاحلة التي يطغى عليها لون القحط والجدب في معظم فصول السنة.
وكان أول تساؤلي عن سر تشكل هذا القوس الملون الجميل بعد المطر فقط، وسر تشكله في الفيافي والقفار فقط وعدم اقترابه أبدا من منازل القرية المتناثرة وكأنه يخشى على أسراره من الانكشاف، ويريد الاحتفاظ بها لنفسه حتى يظل مثيرا يجذب بغموضه الأنظار.
لكني صممت على مطاردته ومسكه مهما ابتعد في الفلاة وبالغ في إخفاء أسراره، وذات يوم جاءتني الفرصة على طبق من ذهب، فقد أمطرت السماء قليلا وسرعان ما بزغت الشمس من وراء الغيوم المتراكضة كأنها في سباق مضماره الفضاء الرحب وخط نهايته الأفق البعيد اللامتناهي، وما لبث القوس الزاهي أن دق أوتاده عميقا في الأرض مشكلا نصف دائرة عظيمة يمتد قطرها من الهضبة غير البعيدة عن بيتنا إلى ما وراء الجبل.
عندها ركضت بأقصى سرعة نحو الهضبة وأنا أمني النفس بلمس هذا القوس الغامض والتمتع بألوانه الزاهية عن كثب.
وكنت كلما زدت قربا من الهضبة زادت دقات قلبي وتأرجحت أحاسيسي بين الخوف والرجاء، الخوف من أن يتلاشى القوس الجميل قبل بلوغي الهضبة، والرجاء أن أدركه أخيرا وأمسكه وأكشف كنه أسراره التي بالغ في إخفائها عن صبي متطفل.
وخلال دقائق معدودة بلغت قمة الهضبة، لكني أصبت بدهشة كبيرة، فلم أجد إلا بعض الحجارة المتناثرة ونباتات الحلفاء والشيح وهي تنفض عن سعفها وأغصانها الصغيرة آخر حبات المطر لكن لا أثر لقوس قزح ولا لألوانه الساطعة.
نظرت بحيرة إلى طرفه الآخر وراء الجبل فوجدته مازال منتصبا بشموخ يتحدى عقلي الصغير في فهم أسراره، فقبلت التحدي وركضت نحوه لكن حدث أمر جلل، فخلال الركض حانت من التفاتة إلى الوراء ففوجئت بطرف القوس قد عاد إلى مكانه ودق أوتاده الملونة فوق الهضبة من جديد.
عندها فهمت أنه مثل الضباب والريح الرملية والغيوم، تكون مدلهمة وتحجب ما وراءها إذا ابتعدت عنها لكنها تصبح خفيفة وشفافة إلى حد التلاشي إذا صرت في وسطها.
فعدت أدراجي إلى الربوة وقدرت مكان القوس المختفي ثم أطبقت بكلتا يدي على الفراغ وأنا أكاد أطير من الفرحة لانتصاري على القوس الجميل ومسكه رغم إتقانه فنون التخفي، ثم عدت أدراجي إلى البيت مزهوا تهزني نشوة المنتصر.
ومن الغد وحين أخبرت أقراني ونحن في الطريق إلى المدرسة أني أمسكت قوس قزح ضحك أغلبهم وبدا أن لا أحد منهم صدق الحكاية، لكن على أية حال كنت في قرارة نفسي متأكدا أني أمسكت قوس قزح!!!

Exit mobile version