نحن جيل محظوظ… عشنا فترة الرّعب، قاومناها وانتصرنا، وبقينا أحياء لنشهد، بقلوب دامية لكنّها خضراء وصلبة كالرّصاص ورفّافة كأجنحة الفراش… عشنا البداوة بكلّ عنفوانها وعفويّتها وبساطتها وعمقها، ثمّ اندفعنا كالأسماك المهاجرة في نهر العولمة المتدفّق نقاوم بأفواهنا وجلودنا الصّخور واﻷشواك وفكوك التّماسيح واﻷجراف والمهاوي والمنحدرات… هناك فترات في التّاريخ، قد تعيش فيها طويلا، لكنّك، وأنت تفارقها، لن تشعر تجاهها بأيّ شيء، كأنّها حياة لم تعشها، كأنّها بحيرات ضحلة منسيّة في طرف الدّنيا، مررت بها وحيدا، أزمنة بلا حكايات وبلا أدخنة تنظر إليها من بعيد فتراها كساحة حرب عملاقة، بلا أشواق وبلا رسائل وبلا طرقات متعرّجة تنحدر سريعا سريعا إلى الهلاك بمنتهى المتعة والرّوعة والغرور… عشنا حكايات البيادر وأعراس القرى القديمة، وحفلات التّنكّر البشريّة الخارجة من هولوكست الحضارة الغاربة، وبقينا أطفالا لنشهد… وسنشهد… حين يتغيّر العالم أكثر فأكثر من حولنا ويمضي إلى قدره المظلم، حين يصبح اﻷجداد بلا أحفاد، مجرّد جذوع قديمة متآكلة تنخرها الذّكريات وتضيئها آلاف اليرقات، ستكون لدينا حكايات كثيرة، بعدد النّدوب والجراحات الخبيئة تحت الجلود، ورعشات المطر على اﻷصابع… نحن فعلا… جيل محظوظ.
للتوزيع عبر البريد الاتصال بالكاتب على حسابه بالفيسبوك بالضغط على إسم الكاتب أعلاه..