هذا الثقافي قد يمهّد للتطبيع السياسي الرسمي الصريح. فالثقافة العربية المنشغلة في جانب منها بأدب غرف النوم وبروايات البورنو وبثقافة التفاهة وبفنّ يسيء إلى الذات الإلهية ويحقّق بسرعة الشهرة للكاتب المغمور ويضمن له الرضا الغربي، صارت ثقافة تجد حرجا في طرح القضايا الكبرى بعد أن رحل الكبار.
مقابل هذا لم يتوان المثقفون والأدباء والفنانون المناصرون للكيان الصهيوني عن دعمه والترويج لأسطورته الكاذبة التي صارت حقيقة من فرط الكذب. فمنذ الكاتب الاسرائيلي شامويل يوسف عجنون الذي حصل سنة 1966 (سنة قبل هزيمة 1967) على جائزة نوبل للأدب والذي كتب يقول: “إنّني أدعو الله أن يأتي اليوم الذي تتوسّع فيه حدود أورشليم حتى تصل إلى دمشق وفي كلّ الاتّجاهات” ندرك دور الأدب في الترويج للمشروع الصهيوني الذي يقوم على مبدأ التوسّع واحتقار العرب. لذلك علّق غسّان كنفاني على حصول شاميول عجنون على جائزة نوبل بأنّ هذه الجائزة هي بمثابة وعد بلفور أدبيّة.
إنّ الرهان على الثّقافي كان شديدا ويكفي أن نحاور اليوم أفرادا كثيرين يعيشون معنا حول فلسطين لنرى تزعزع الإيمان بهذه القضية مع حملات الدعاية الثقافية التي لم تكفّ يوما بأشكالها المتنوعة الثقافية والأدبية والفنية. وللكيان الصهيوني أن يطمئنّ اليوم فهو لم يعد يعيش في بحر من الأعداء كما كان يذكر في بكائياته الكثيرة التي استدرّ بها لعقود شفقة العالم بل صار يعيش في بحر من الأصدقاء الذين صاروا يتبارون على إرضائه ويدافعون عنه. إنّهم أصدقاؤه العرب وخاصّة نخبتهم المثقفة التي لم تعد ترى في اسرائيل كيانا عنصريا دمويا قاتلا.
ويكفي أن نتذكّر بحسرة كيف عدّت منظّمة اليونسكو اللغة العربية التي يتكلّمها قرابة مليار نسمة لغة ميتة (أظن سنة 2006) في حين تعتبر العبرية لغة حيّة بسبب وفرة البحوث العلميّة التي كتبت بها لندرك حجم المأساة التي تمثّل النّخبة أهمّ أسبابها.