كم مرة طرحت قضية احترام اللغة الوطنية في هذه البلاد؟ وكم مرة نمر عليها مر الكرام دون توقف أو تعمق ؟!.
هل يمكن أن يوجد من بين المسؤولين السياسيين من هو أكثر إئتمانا على هذه القضية من رئيس الجمهورية ؟
مبدئيا يعتمد النظام الجمهوري الذي نتبناه على تمثيلية رئيس الجمهورية لكيان الدولة وروحها الحقيقية فهو “رمز وحدتها، يضمن إستقلالها واستمراريتها، ويسهر على إحترام الدستور” (الفصل 72 من الدستور).
ولذلك فلا شيء يمكن أن يبرر حديث رئيس الجمهورية بصفته هذه -داخل البلاد أو خارجها- بغير اللغة الوطنية، ومن المفروض أن لا يحتاج ذلك إلى تنبيه لأن مقتضيات مسؤوليته الكبرى تستوجب الإحترام الكامل لمقومات الدولة ورموزها (اللغة – الدين – الشعار – العلم – النشيد الوطني – الدستور…).
وتأكيدا لذلك اقتضى الدستور الجديد -من جملة التزامات الدولة- أنها تعمل “على ترسيخ اللغة العربية ودعمها وتعميم استخدامها” (الفصل 39). ولا أدري متى يجد هذا الإلتزام الدستوري مجالا لاحترامه ومتى نهتدي إلى أن حديث رئيس الدولة (حين يمثل الدولة) باللغة الوطنية للبلاد ليس إختيارا شخصيا يمكن أن يخضع للمجاملة أو الأهواء بل إن الحياد عنه يعتبر إعتداء على أحد المقومات الجوهرية للدولة ؟!
وكذلك متى يقتنع السيد الباجي قائد السبسي -في ارتباط بهذه القضية بالذات- أن معرفته باللغة الفرنسية أو غيرها من اللغات الأجنبية لا تعفيه من الخطاب أو الحديث في المحافل والمناسبات الرسمية باللغة العربية؟! وفوق ذلك فهو ملزم -بمقتضى موقعه ومسؤوليته- بالحض على ترسيخ اللغة العربية وتعميمها وحمايتها !!.
ومع احترامنا لرمزية رئيس الجمهورية وموقعه فلا نرى أي تفسير لحديثه العلني -وعبر المؤسسات الإعلامية- باللغة الفرنسية (أو بالفرنكو اراب) حتى وإن كان ذلك بمحضر ضيوف أجانب وبالأحرى من الدول العربية.
وفي نفس السياق لا يبدو مناسبا -أو مطابقا لما قدمناه- خطاب رئيس الجمهورية السيد الباجي قائد السبسي باللغة الفرنسية بتاريخ -11 نوفمبر- أثناء انعقاد مؤتمر باريس للسلام وذلك إحياء للذكرى المئوية للهدنة وانتهاء الحرب العالمية الأولى وبمحضر عدد هام من رؤساء الدول والحكومات.
ومن الغريب أن جزء من خطابه كان موجها -حسبما ذكر- إلى الشعب التونسي !
هل يمكن أن نعتبر ذلك -فضلا عن المناسبات الكثيرة التي يختار فيها رئيس الجمهورية الحديث بغير اللغة الوطنية- من باب التقاليد الرئاسية التي تمثل امتدادا الإرث البورقيبي الفرنكوفوني ؟! (وهل يذكر البعض خطاب السيد الباجي قائد السبسي باللغة الفرنسية بصفته وزيرا للخارجية أمام مجلس الأمن بمنظمة الأمم المتحدة عند نظره في أحداث عملية حمام الشط التي نفذها الكيان الصهيوني في 1 اكتوبر 1985؟)
ومتى يمكن أن يداخلنا الإعتقاد أن إحترامنا لأنفسنا يبدأ بمقومات وجودنا ؟! وهل آن الآوان أن نتوقف عن التغاضي واللامبالاة حيال قضية مصيرية تتعلق بتأصيل هويتنا وانتمائنا الوطني؟! ومتى يتوقف رئيس الجمهورية في الأخير عن الحديث بالفرنسية ؟!