كل ما يقال في الموائد التلفزية عن التحوير الوزاري هو مغالطات يحاول كل طرف من خلالها أن يتموقع أو يتموقع بأكثر أريحية، النداء هو المسؤول الأول عما يحدث في البلاد، والحديث عن فشل الحكومة هو بالضرورة حديث عن فشل النداء وعجزه عن إدارة المرحلة حتى “داخل النداء” نفسه، فالنداء هو الحزب الوحيد الذي يعين حكوماته ثم ينقلب عليها، فبعد أن أجبر الحبيب الصيد على تقديم إستقالته بعد التهديد الشهير متاع “نمرمدوك” ينقلب النداء مرة أخرى على حكومته الثانية في ظروف يلفها الغموض.
فالحديث عن فشل الحكومة في إدارة الملفات الإقتصادية والإجتماعية والصحية من طرف قيادات النداء ومؤسسيه سابقة سياسية ما سبقهم بها أحدا من العالمين، فالنداء بشقوقه المختلفة هو المسؤول سياسيا عن كل تداعيات المشهد في البلاد لأنه كان الخيار الأول للناخب التونسي في 2014، والحديث عن أن حركة النهضة أو يوسف الشاهد أو كلاهما هو من تسبب في تشققات النداء هو إدانة صريحة للنداء بعجزه حتى عن تأمين “ذاته السياسية” من فرقاء سياسيين محليين فما بالك بتأمين البلاد إقتصاديا وإجتماعيا وأمنيا، وكل ما يتحفنا به قادة النداء من تصريحات هو نوع من جلد الذات الندائية قبل أن يكون جلدا للنهضة أو ليوسف الشاهد، وإعترافا ضمنيا بهشاشة مؤسسات النداء التي تتطلب من قادة النداء مراجعات جدية لخياراتهم التأسيسية التي بني عليها “النداء” إذا كانوا يريدون فعلا أن يكونوا أوفياء “لأجنداتهم الوطنية” التي يتحدثون عنها.
الشعب الكريم اليوم “الدافع الحصري لضريبة التّرنّح الديمقراطي” لا يهمه تحويرا وزاريا أيا كانت الخلفية الخزبية للموزّرين الجدد أو المغادرون لأنه يعلم يقينا أنه ضحك على الذقون وأن الفرسان الجدد لن يصنعوا من بغل الإقتصاد جوادا، وزاد يقينا بعد ما سمعه من النخبة السياسية أن الإنتخابات القادمة لن تكون سوى تشكيلا وزاريا جديدا أيا كانت أطرافه الحزبية، لأن الأحزاب الحالية لا تستند إلى برامج إقتصادية وسياسية وإجتماعية وتربوية… بل تستند إلى برامج شعبوية فضفاضة خطوط تماسها “المساواة في الميراث والخوف على النمط والحفاظ على الهوية العربية الإسلامية” فمن سمع منكم شيئا من هذا يتحدث عنه الناس في المقاهي والأسواق ؟، أما الإرهاب الذي يدعي كل منهم وصلا بمحاربته، فما كان ليتسلل إلينا إلا بهذه النخب السياسية والإعلامية والثقافية المترهلة، وإلى أن تجد الديمقراطية التونسية المترنحة توازنها وستجده ولو كره الكارهون، نسأل الله أن يلهم الشعب الكريم الصبر على ما يكره وعلى ما يحب والصبر على من يكره وعلى من يحب.
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.