المؤتمر الصحفي الذي عقده اليوم رئيس الجمهورية بقصر قرطاج كان مفاجئا، لكنه في نفس الوقت- كان ضروريا لعرض وجهة نظر الرئيس حول اكثر الازمات الحكومية حدة في تاريخ البلاد.
ويبدو ان مضمون ما قاله رئيس الجمهورية قد عجل الاعلان عن ندوة صحفية للناطق الرسمي باسم الحكومة في نفس هذا اليوم الذي ينظر فيه مكتب مجلس نواب الشعب في طلب الشاهد نيل الثقة لحكومته.
ولا شك ان الاسلوب الذي انتهجه السبسي في الندوة الصحفية يختلف عن لقائه الصحفي الاخير الذي اكتسى طابعا هجوميا (انهزاميا) في حين بدا اليوم اكثر “عقلانية” و”وثوقا” فضلا عن وضوحه في عرض حججه وتحدي خصومه.
ويتبين ان الرئيس (على هدوئه غير المعتاد) لم يتقدم في الاخير بمقترحات تخص التحوير الوزاري، كما لم يتوقف كثيرا عند اعتراضات محددة على اجراءاته وحوَّلَ موضوع النقاش الى شخصه وصلاحياته كرئيس للجمهورية ضامن لاحترام الدستور.
ويبرز بوضوح على امتداد الندوة تضخيم الذات والاعتداد بالنفس وذلك بالاحالة الى روايات تاريخية يختارها واشخاص يقدسهم (الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة). وبقطع النظر عن صلب الموضوع (الذي حاول ان يهمشه !) اراد رئيس الجمهورية ان يظهر على الاقل بصفات ثلاث :
• المتعالي، حتى انه لم يستنكف من وصف نفسه بالاعلى (نحن الاعلون)! وابراز امتيازه شخصيا ووظيفيا بحكم شرعيته الانتخابية ورمزيته الرئاسية وعبقريته الذاتية !.
وفي هذا السياق لم يتوقف عن التاكيد في كل مرة ان رئيس الحكومة ليس ندا له !
• المدافع عن وجوده، وذلك بالتصريح ان مؤسسة الرئاسة هي “قطب الرحى” في مؤسسات الدولة وانه ليس ساعي بريد (مانيش بوسطاجي!) وان مسؤولياته تحتم استشارته في كافة شؤون الدولة وبالاحرى في تركيبة الحكومة. اضافة الى التاكيد على انه مستهدف من خلال استغلال ازمة الحكم الحالية لاعفائه بتعلة ارتكابه خطا جسيما !
• الضامن للحريات، وذلك بتاكيده (امام دهشة الجميع!) على عدم رغبته في تمديد حالة الطوارئ وضرورة تغيير نظامها القانوني وعدم شرعية الايقافات الادارية وتحجير السفر استنادا الى قانون الطوارئ (وهي مسائل لم يتحفظ عليها في السابق !). زيادة على احترامه لقرارات مجلس نواب الشعب وتقديسه لمفهوم الدولة والمؤسسات.
فهل يتوفق الرئيس بهذا الخطاب الى تحويل مسار “االازمة” لفائدته و”فك عزلته” واثبات وجوده ضد “اعدائه” “ومناوئيه”؟!