ألو… القائد الأعلى للقوات المسلّحة؟
حدث منذ يوم حادث تفجير فتاة أمام أمنيين في شارع الثورة في العاصمة “تونس”، حادث لم يقتنع الكثيرون من المتابعين للمسار السياسي التونسي ما بعد الثورة بأنّه كما بدى من خارجه، عمليّة إرهابيّة من تلك التي تحدث هنا أو هناك بملامح معروفة متكرّرة، مثلهم مثل المتخصّصين في المجال الأمني والمخابراتي الذين كادوا يقولون انّه حادث مسرحيّة لم نرَ منها سوى الرّكح والكمبرس المغرّر بها.
فالمتابعون للمشهد السياسي الذين ذكرتُ يُسقطون في تصريحاتهم كلّ الماضي الذي أصبح معروفا لديهم على هذه الحادثة… ماضٍ يتلخّص في أنّ “الإرهاب” ضرب سابقا ودوما في عمليات، يخرج بعدها الإسلاميون من الحكم، إن كانوا في الحكم، أو يقع تمرير قانون ضدّ مطالب الثورة، أو يقع التنازل عن تمرير قانون يعاضد المسار الثوري كالعزل السياسي لزبانية الطاغية مثلا. عمليات أراها في تقديري جرائم قتل تحت الطّلب لغاية سياسية بحتة قد تكون إقصاء خصم أو تموقع رغم إرادة الشعب.
ولذلك فإنّ من مفارقات المشهد الإرهابي في “تونس” أنّك تتعرّف على مطالب الإرهابيين “الموتى” الذين لم يكونوا قد سجّلوا مطالبهم حتّى، ولم يكونوا قد أصدروا بيانات العمليّة، وذلك من بلاتوهات الإعلام في ليلة العمليّة نفسها، حيث يتّحدُ مثلّث يتكوّن من اليسار الحاقد الذي لا تمثيل شعبي له في كل الانتخابات التي وقعت، مع المنظومة السابقة التي ثار عليها الشعب في 2011، مع الإعلام المتواطئ معهم منذ ليلة سقوط المخلوع. ممّا لا يترك مجالا للشّكّ بأن الفاعل و المعلّق سواء… أو بينهما زرّ تحكّم عن بعد.
لكن ما شدّ انتباهي هذه المرّة كان بالأساس تعليق رئيس الجمهوريّة “الباجي قائد السبسي” على العمليّة إبّان حدوثها من خارج الوطن. فالرّجل قال بأنهم -ويقصد نفسه ومن يرأس- يظنّون أنهم قد قضوا على الإرهاب، ولكنّه -أي الإرهاب- وكأنّه سيقضي علينا. تصريح أراه لا يرقى لتعليق رئيس البلاد والقائد الأعلى للقوات المسلّحة ورمز الوطن وحاميه دستوريا وعرفيا. تصريح فيه انهزامية واستكانة ظاهرين لا غبار عليهما لعلّهما يبطنان تهديدا على شاكلة التهديدات التي سمعها الشعب من “مثقفة” كانت دكتورة القصر في زمن زوجة المخلوع، قالت فيه منذ أسابيع قليلة أنّ بيننا وبين استئصال الإسلاميين أسابيع. وسمعها من مستشارته حيث تنبأت قبل زمن قريب بأن الشعب سيعيش مفاجأة عن قريب. وسمعها من “مثقفين” من هؤلاء الذين تصبّ ثقافتهم على الشعب المصائب والحقد والدعوة إلى القتل والسحل والسجن والذين ينتمون إلى مثلّث السّوء الذي ذكرتُ آنفا بعبارات وألفاظ مختلفة لكنها تشترك في المعنى الذي يبطن التهديد، وبأنّ جزء كبير من المشهد السياسي التونسي سيختفي على شاكلة ما وقع في “مصر” الانقلاب سنة 2013 ونجح، وفي “تركيا” العظيمة سنة 2016 ولم ينجح لهبّة الشعب ضدّه، وهم لا يدركون أنّ الشعب في تونس سيكونون أكثر صلابة معهم إذا فعلوها وأكثر تشبثا من الأتراك حتّى في حماية ديمقراطيتهم الوليدة.
فما كان منك يا رئيسنا أن يصدر عنك ما صدر، وما كان منك يا قائدنا أن تستسلم للإرهاب ولو كنت من الذين تعلم بعض خباياه، وما كان منك يا شيخنا أن تثني عزائمنا عند محاولة يائسة لقلب مشهد سياسي فاضحة مفضوحة.
وقد يكون من الأجدى لو نسّقت مع رئيس الحكومة الذي صرّح بتصريح محمول على شاكلة معركتنا طويلة مع الإرهاب “وأن الإرهاب سيهزم في المهاية” تصريح فيه نمطيّة لكنه يخلو من الانهزامية. أو كان عليك التنسيق مع مثقف واحد من مثقفي “شعب الفيسبوك العظيم” ولا تركن لهؤلاء المحيطين بك ولو كانوا “مثقفين”.
أو أقول لك يا رئيسنا؟… كان عليك أن تستشير جنديا بلا رتبة ولا مزايا ولا سيارة وظيفية ولا وصولات بنزين لديه سوى بندقيّته ليقول لك ما تقوله لنا يا…
أيها القائد الأعلى للقوات المسلّحة.