هل الناخب التونسي جاهز للصفعة الإنتخابية ؟

محمد الهادي تريمش

من الطبيعي أن تتصاعد وتيرة الأحداث السياسية في المنعرج الأخير للمدة النيابية ليتكاثر التصادم بين أحزاب الحكم الفاشلة وأحزاب المعارضة المهترئة،

فقد واكبنا فعاليات “الحدث الأبرز” الندوة الصحفية للجنة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي التي اتهمت فيها الجبهة الشعبية حركة النهضة بضلوع جهازها السري في الاغتيال عبر نشر بعض الوثائق للإعلاميين وعموم المواطنين مما يستوجب التحرك الفوري للنيابة العمومية لتحدد المسؤوليات وتغلق هذا الملف نهائيا من جهة، وحتى تنقذ الدولة التونسية من تكرار صراع داخل المربع الإيديولوجي بمزيد المتاجرة بدماء الشهداء كبرنامج إنتخابي كرسه سابقا الحزب الحاكم المشتت نداء تونس حين تاجر بوفاة المرحوم لطفي نقض و استفادت منه حركة النهضة من جهة ثانية، ليحكموا الشعب التونسي تحت ما يسمى “وثيقة قرطاج” في أتعس عملية تحيل مورست على جميع أطياف الشعب للأسف.

اشتد الصراع صلب الحزبين الحاكمين، حركة النهضة وحزب النداء، فبالنسبة للحركة الحاكمة الفعلية للدولة التونسية منذ ثورة الياسمين فقد دق الطيف المعارض لسياسات الشيخ ناقوس الخطر هاته المرة علنيا بتسريب مراسلة داخلية إلى الإعلام كان قد خطها لطفي زيتون ومجموعة من القياديين ينبهون فيها الشيخ راشد الغنوشي لتجاوز صلاحياته ولمخرجات المؤتمر العاشر أعلى سلطة صلب تنظيمهم الداخلي، فهل يحيلنا هذا الحدث إلى مدى ممارسة الديمقراطية الداخلية صلب حركة النهضة أم هي دكتاتورية الديمقراطية للمسيطرين على ينابيع التمويل بالحركة، أعتقد أن المدة القادمة ستدلي بمزيد الأسرار فهذا الجيل الشاب الجديد المنتظم داخلها (نفعي مصلحي وليس إيديولوجي) لم يعد يقدر على مزيد احتمال صراعات تاريخية أكل عليها الدهر وشرب، كما أنه لم يعد قادرا على تحمل أخطاء بعض القادة الذين أصبحوا خطرا على هذا التنظيم الحزبي أصلا. فهل سيشهد التاريخ السياسي انتفاضة الشباب القيادي داخل هياكل النهضة؟

أما بالنسبة لحزب النداء، فقد استمعت إلى الأستاذ عبو خلال الحملة الإنتخابية لسنة 2014 يقول “لا تتآمروا عليه فسيتآمرون على أنفسهم”، فعلا، فبعد أن تفرع إلى ستة دكاكين حزبية فها هو ابن الحزب الجمهوري وزمرته المنشقة من المهندسين سنة 2013 السيد رئيس الحكومة يوسف الشاهد يفتك مفاصل القرار ويرث المنظومة القديمة من الرئيس وابنه بدعم من لوبيات المال الداخلي وصناع القرار السياسي الخارجي مستعملا الجهاز التنفيذي للدولة (طوعا وكرها) ليؤسس كتلته النيابية “كتلة الإئتلاف الوطني” التي تضم 47 نائبا، هاته الأرضية السياسية التي ستمكنه من تأسيس حزبه، حزب يمكن المنظومة القديمة والدولة العميقة من مواصلة السيطرة على الجهاز التنفيذي للدولة بالتوافق كالعادة مع حزب حركة النهضة المسيطر على الجهاز التشريعي (مجلس نواب الشعب) منذ نشأة الجمهورية التونسية الثانية مما ييسر للسيد يوسف الشاهد أن يكون رئيس حكومة في المدة النيابية القادمة (2019-2024) بصلاحياته التي يكفلها له الدستور التونسي. نعم، إذا نجح هذا المخطط فقد استطاعت المنظومة تغيير عباءتها لتتشكل الدولة العميقة في ثوب المنقذ داخل مخيلة الناخب التونسي، وهي فعلا بصدد النجاح، فممارسات رئيس الحكومة والإشارات التي يبثها إلى قوى صنع القرار كفيلة بتبنيه ودعمه (حصان طراودة المرحلة القادمة كرئيس حكومة وليس كرئيس جمهورية)، فقد استعملت الدولة العميقة في شخص المهندس يوسف الشاهد بعض الوجوه ثم ألقت بهم وراء القضبان بتوظيف أجهزة الدولة نذكر منهم رجل الأعمال شفيق جراية وكل من والاه، الإعلامي سمير الوافي، وبالأمس السياسي، عراب الحزب الحاكم، برهان بسيس في عملية استعراض قوى، فبين إصدار الحكم وتنفيذه لم يتجاوز الخمس ساعات، فقد أتم الرسالة الأخيرة لهاته المنظومة المورطة في قضايا الفساد أنه لن يقف أمام طموحه أحدا ومهما كان اسمه (حتى لو كان كمال لطيف) وما عليهم إلا أن يطوعوا أنفسهم وينظبطوا لمخططه.

حقيقة ما نحمد الله عليه هو دستور 2014 وتقسيمه للسلطات وإلا لكنا نعيش آخر مراحل بداية دكتاتورية جديدة أمام ضعف المعارضة السياسية ونفور الشعب التونسي من هاته الطبقة السياسية التي مارست عليه عملية تحيل مع سابق الإصرار والترصد.

يعود رجل الأعمال السيد سليم الرياحي وحزبه الوطني الحر لممارسة دوره كجهاز تنفيذي لعرابي التوافق (تركيا – قطر) بالإعداد إلى طاولات الحوار فمثلما أعد سابقا لقاء باريس سنة 2013 بين شيخ حركة النهضة ورئيس الجمهورية التونسية الباجي قائد السبسي هاقد تمت لقاءات ماراطونية بين حزب حركة النهضة في شخص الشيخ راشد الغنوشي والدولة العميقة في شخص يوسف الشاهد وحزبه الجديد (الإئتلاف الوطني) وعديد الفاعلين في صنع القرار السياسي، فبعد تدوينته التي يواسي فيها نوابه في بداية السنة النيابية الأخيرة بعد إندماجهم في كتلة الإئتلاف الوطني ويشجعهم على مزيد البذل ويثمن تنازلهم على تمثيل حزب الوطني الحر في مجلس نواب الشعب أعتقد أنه كذلك سيتنازل في المستقبل القريب على الحزب ليعلن إنصهاره في حزب يوسف الشاهد، طوعا حتى يخرج في صورة السياسي المغلب للمصلحة الوطنية وكرها حتى تتم بيعة تحرير أمواله المجمدة، على كل، كل له مآربه إلى أن نستبشر بما يخالج نفس يعقوب من ثوابت ومؤشرات.

في ظل كل ما ذكرته أعلاه من تقديرات حسب أحداث ومؤشرات تشهدها الساحة السياسية في هذا المنعرج الأخير قبل محطة الانتخابات التشريعية والرئاسية لسنة 2019 تُبرز حقيقة مدى العفن السياسي الذي يجول كواليس الصراع على مفاصل الحكم، يبقى الشعب التونسي المقهور يدفع ضريبة فشل سياسات المنظومة الحاكمة في كل المجالات وعلى كل المستويات، من انهيار المقدرة الشرائية وانهيار الدينار وارتفاع نسبة الإقتصاد الموازي لتتجاوز 70% و و و… فتتعمق حيرته أمام عدم تشكل تيار أو بديل أو إئتلاف إجتماعي ديمقراطي قادرا على أن يكون بديلا حقيقيا فيطبق القانون على الجميع دون محابات أو إملاءات حتى تنقشع أزمة الثقة بين الطبقة السياسية الحاكمة والشعب عسى أن ينتقل المواطن إلى مرحلة المساهمة في إنتاج الثروة أو على الأقل أن تتكون كتلة معارضة قادرة على الحد من فاشية الإئتلاف النيوليبرالي الحاكم في ممارساته داخل مجلس نواب الشعب.

حقيقة إن الناخب التونسي جاهز للصفعة الإنتخابية عسى أن تنكسر هاته النرجسيات الزعامتية، لكن في ظل أزمة التشتت هل يكون التيار الديمقراطي الحزب الثالث حسب نتائج الإنتخابات البلدية وحسب مؤسسات سبر الآراء قادرا على ممارسة الحكم ويكون البديل الشعبي المواطني الحقيقي، هل يكون قادرا على أن يكون حزبا جامعا للكفاءات التونسية القادرة على البناء والإصلاح؟
حقيقة حسب تقديري سيواجه في المستقبل القريب مسؤولية تاريخية لعله ينجح في تجاوزها.

Exit mobile version