عادل بن عبد الله
باستقراء مواقف الكثير من النخب الحداثية في العديد من القضايا التي طبعت السجال العمومي بعد الثورة، وبالوقوف عند دورهم الثابت في تغذية الصراع الهووي الثقافوي والإنحياز المفضوح لرؤية سلطوية معينة للدين، تزيد قناعتي بأن مشكلة النخب العلمانية هي مع الدين في ذاته (بعقائده وقيمه ورموزه وتشريعاته) وليست فقط مع أي تعبيرة من تعبيرات الإسلام السياسي (أو الإسلام الإحتجاجي) ولذلك لن يقبلوا بأي إحالة أو تعبيرة دينية، اللهم إلا أن تكون في خدمة موقفهم البائس من الهوية الجمعية.
ومادام هذا الموقف العدائي من الدين مهيمنا على هذه النخبة فلن يتصالح الشعب أبدا مع المفاهيم الضرورية لبناء مجتمع مواطني: ستصبح كل المفاهيم الحديثة “سيئة السمعة”، ولن تنجوَ الديمقراطية ولا حقوق الإنسان ولا العلمانية من النتائج الكارثية لهذا الموقف الطفولي البائس الذي يجد متنفسا في نقد المقدس الديني لأنه لا يجرؤ على نقد المقدس العلماني (وأساسه خرافات النمط المجتمعي التونسي) أو لا يفعل ذلك لأن مصالحه المادية والرمزية ترتبط وجوديا بذلك المقدس (الذي يغطي على كل دنس الخيارات الكبرى للدولة االلاوطنية).
مختصر القول: لو كانت النخبة العلمانية مشغولة فعلا بـ”تونسة” المفاهيم المؤسسة للإجتماع الحديث بقدر انشغالها بخدمة ورثة الإستبداد وبنية التسلط الجهوية-الأمنية-المالية، لكانت تونس في حال أفضل، لأن تنزيل المفاهيم الحديثة وحمل الناس على التطبيع معها واستبطانها سيكون أيسر.. أما والحال على ما هو عليه، فإن تلك النخب العلمانية رغم كل إدعاءاتها ليست إلا الحليف الموثوق لداعش وأخواتها. فدواعش الحداثة بنزعتهم الصدامية ضد كل مظاهر التدين -وبرفضهم دمج البعد الديني أو الروحي في التشريع للمشترك المواطني- لن ينجحوا إلا في تقوية مقابلهم المفهومي وحليفهم الموضوعي: دواعش الإسلام الوهابي.