مهدي مبروك
تقاعس وإهمال ولا مبالاة ضاعفت الخسائر البشرية والمادية في نابل المنكوبة.
اختتمنا مساء يوم أمس على عجل ندوة علمية انعقدت في إحد نزل ياسمين الحمامات بعد أن داهمته المياه بما فيها قاعة الإجتماعات وما إن بدأ تساقط المطر يخف تدريجيا حتى قررت أنا والزميل (م .س) المغادرة. ترددنا ثم جازفنا… في مدخل المنطقة السياحية عادت الأمطار للإنهمار بغزارة وحاصرتنا المياه بسرعة وطوقتنا. تمكنت أنا من التراجع في حين ظل الزميل عالقا تحاصره المياه التي بدأت تطوقة وتتسرب إلى السيارة، توقف المحرك وانطفأ النور العمومي. وظل الزميل يطلب النجدة من خلال هاتفه وسيلته الوحيدة للإتصال بالعالم.
عدت إلى النزل وطلبت رفقة مديره البلدية، الشرطة، الحماية المدينة. فلا من مجيب ومن يجيب منهم يعتذر بحجة أن الأولويات أعطيت لمدنية نابل.. تمكن زميل لنا مقيم بالعاصمة من الإتصال هاتفيا بغرفة عمليات وزارة الداخلية طلبا للنجدة… اتصلوا به ولكن لم يعتبروه حالة مستعجلة… ما دام قادرا على الكلام ؟… حاولنا أن نشكل كتيبة من السيارات رباعية الدفع بالإستعانة ببعض حرفاء النزل وإدارته ولكن عجزنا عن الإقتراب منه.. كانت المياه بحرا أهوجا… الظلام والأمطار حالت دون الإقتراب منه… وأخيرا… هب إلى نجدتنا خمس شبان من عملة حضائر البناء… تقدموا ببطء من السيارة ودفعوها رويدا رويدا حتى وصلنا إلى اليابسة في حدود العاشرة ليلا تقريبا.. تطلب ذلك أكثر من ساعتين ونصف… شكرا لهؤلاء “الغلابى” االفقراء البسطاء الذين كانوا في نجدة عشرات السيارات العالقة أو حتى تلك التي غمرتها المياه… في مستوى مدخل ياسمين الحمامات.. توجهت إلى دورية أمنية كانت متحصنة بمنى صغير خصص للغرض.. كان الأمنيون هناك شبان بتلهون بالهاتف الجوال… اعتذروا عن التدخل لأن الأمر يتجاوزهم وليس لهم الإمكانيات اللازمة…
تحصد الكوارث الطبيعية أرواحا بشرية وتسبب خسائر مادية فادحة حتى في البلدان الأكثر تقدما. ولكن متأكد أن ضمائر الناس وحرفية الفرق المختصة من أمن وحماية مدنية وقيم التطوع والتضحية لنجدة الغير باعتبارها واجبا تصنع الفارق في مثل هذه الحالات.