حين يحاول أبناء المرزوقي ذبحه بسكاكين أعدائه
لطفي حجّي
ما لفت انتباهي في بيان المستقيلين من حزب حراك تونس الإرادة الجملة التالية الواردة في آخر الفقرة الثانية:
“هذا التموقع السياسي الداخلي أدى كذلك إلى اصطفافات إقليمية قائمة على الانحياز لأنظمة وزعامات بعينها بشكل آلي وليس على أساس المصالح التونسية العليا والسيادة الوطنية والدفاع عن الديمقراطية وقيم الحرية”.
لن أناقش الأسباب الداخلية التي أوردوها في بيانهم تفسيرا لاستقالتهم فتلك رؤيتهم وذلك شأنهم الداخلي وهم أحرار في قرارهم، لكن هذه الجملة بالذات تنم عن رغبة لتقديم المرزوقي في طبق من ذهب لخصومه على المقصلة التي طالما سعوا لذبحه فوقها فضلا عن كونها محاولة للتنصل من خط الحزب في وقت متأخر إن لم يكن في الوقت الضائع.
هو وقت ضائع لأن الخط الخارجي للحزب لم يتغير منذ الثورة وهم طالما استماتوا في الدفاع عنه واستحسنوه باعتبارهم جزء منه بل منهم من اختص في التنظير له، وعليه فإن تبرير الإستقالة بحجج مماثلة هو تقديم مبررات يستسيغها خصوم المرزوقي لأنهم طالما حاربوه بها وإلى الآن يحملونه تداعيات اختيارها. في حين أنها اختيارات فرضتها المتغيرات الإقليمية التي عرفتها المنطقة والتي فرضت محاور ما بعد الثورات، واصطفافاتها واضحة ولم تكن متعددة فإما أن تتعاون مع الدول التي تساند هذه الثورات أو أن تصطف مع دول الثورة المضادة كما اختارت كثير من الأحزاب.
واستعمال مبررات مماثلة يحيل مرة أخرى إلى علاقة الأخلاق بالسياسة وكثيرا ما يعتقد الناس أن الأحزاب التي تصنف على أساس أنها ثورية وحريصة على الديمقراطية هي الأكثر حرصا على ربط السياسة بما ضاع منها من أخلاق. لكن يصدم المرء حين يقرأ تلك التبريرات التي يستوي فيها من ناضل من أجل التغيير والثورة مع من اختار نهج الثورة المضادة.
إن تبريرات أية استقالة هي التبريرات التي تقنع المتلقي ويشعر أن أصحابها بصدد تقديم معطيات مقبولة ومعقولة تنصفهم في سياق المعركة الداخلية لأي حزب أو منظمة.. أما بناء الإستقالة على ما يرغب خصوم المرزوقي وأعداؤه سماعه فذلك يعني الإدانة بسلاح الخصم وهي تسقط المصداقية على أصحابها من حيث أرادوا كسبها.
ثم أن الذين صاغوا البيان يدركون جيدا أن مصطلحات مثل سيادة الوطن والمصلحة العليا للوطن هي مصطلحات تستعملها الأنظمة الدكتاتورية لتشويه خصومها لأنها تربط مصلحة الوطن باختياراتها الذاتية وكل من يتجرأ على نقد تلك الاختيارات يصنف في خانة أعداء الوطن.
الإستقالة حق وليست مجالا للنقاش، ومعارضة المرزوقي إختيار حر كذلك، لكن التبرير إذا ابتعد عن مقصده واستعمل مصطلحات للتقرب من الخصوم فذلك يدفع باتجاه الخشية من تحويل المستقيلين إلى صف أولئك النشطاء السياسيين الذين عرفناهم مناضلين ما قبل الثورة لكنهم بعدها اختصوا في ما يمكن أن أسميه بالجمباز السياسي. فاختصوا في القفزات البهلوانية التي أضرت بهم وأساءت لماضيهم السياسي فخسروا أنفسهم وفقدوا أنصارهم ولم يربحوا أنصارا جددا بل منهم من لم يحسن حتى اختيار تقاعد سياسي يليق به.