الخارج في الداخل .. المؤامرة أقل من ذلك
سفيان العلوي
لا تخضع قراءة تأثير الخارج في الداخل فقط إلى التقدير الموضوعي الجيوسياسي بل هي في غالب الأحيان تحمل موقفا ذاتيا (هواجس وأماني) ورؤية لنظام العلاقات الدولية: ماهو كائن وما يجب أن يكون. هذا الموقف الذاتي لا يفلت منه أهل الإختصاص فما بالك بهواة التحليل والتفكير الإستراتيجي.
من المهم الإشارة أيضا إلى أن خطاب التبعية وفك الارتباط قد فقد بريقه نوعا ما مع التشبيك المتنامي للتبادل والأوجه الملتبسة للعولمة وتنامي الإستقطاب وكذلك العودة الشرسة للحروب وفي المحيط المباشر القريب. ومع ذلك يظل سؤال “فك الإرتباط” ملحا ولقد كانت وفاة سمير أمين منذ مدة قصيرة مناسبة لإعادة طرحه وبإلحاح. ويبدو أن البديل الذي سارت إليه بعض القوى النامية الصاعدة البرازيل أو تركيا أو أندونيسيا أو إيران هو تنويع الشراكة وربط العلاقات الأفقية التي تبدو مغامرة في سياق دولي شديد الإستقطاب.
ما يعقد السؤال هو تعدد بؤر التوتر مما يجعل التعاطي مع الخارج ليس مجرد الإختيار في الإندراج في شبكات التبادل والإستقمار بل أعقد من ذلك الإضطرار والإنزلاق إلى لعبة المحاور داخل بؤر التوتر وعلى هامشها مع ما يعنيه ذلك من كلفة إستراتيجية. وعندما يكون محيط التوتر في الجوار يتضاءل هامش الإختيار بين أن تكون في قلب اللعبة أو على هامشها.
مع الإقرار بأهمية تأثير الخارج ولعبة المحاور في تشكيل المشهد السياسي في الداخل فإن هناك تصورين على الأقل لقراءة حجم هذا التأثير ومداه وكلفته ورهاناته.
• تصور أول يرى المشهد في الداخل إنعكاسا مباشرا للعبة المحاور في الخارج ولا يرى في فاعلي الداخل سوى بيادق تحركها السفارات. ويختزل الإستقطاب إلى ثنائية حدية بين فسطاطين. غالبا ما يكون لأصحاب هذا الرأي إنخراط في متابعة لعبة الخارج أكثر من لعبة الداخل ورهاناتهم فيه ضعيفة لسبب أو لآخر.
• تصور ثان، لا ينفي أهمية التأثير الخارجي لكنه يشتغل أكثر على توازنات الساحة الداخلية فاعلا وشريكا وملاحظا ومفاوضا. ويراهن على تنويع الشراكات والصداقات وتقليل الخسائر مع الخارج والداخل. لكن إنشغاله الكبير بالداخل يجعله يغفل أحيانا ما يجري في الخارج وما يحاك وتضعف لديه هوامش المناورة واستباق الإنهيارات.
في التاريح منطق يقول إذا حضرت التجارة توارت الحرب. وفي علم إجتماع الفاعلين دائما يوجد هامش حرية للفاعلين واختيار إستراتيجيات متنوعة إن لم تحقق نجاحات فهي توقف الخسارات أو توزعها على الجميع. (يتبع)