الخميس 24 يوليو 2025
بشير العبيدي
بشير العبيدي

ترجمان الأشواق

بشير العبيدي
رقصة_اليراع …
أشتاق أن أرى وطني الكبير حرّا، وأشتاق أن أرى أهله أحراراً.
• أشتاق أن أسافر في وطني الكبير بلا جواز سفر، وألا أرى من الحدود إلا حدود العقل وكريم الخلق.
• أشتاق أن أطير في طائرة مصنوعة أجزاؤها في وطني الكبير، فأقلع من القيروان وأهبط في تلمسان، وأقلع من تلمسان وأهبط في نواق الشط، وأنطّ من نواق الشطّ إلى مراكش، ومنها إلى الدّوحة، ومن الدوحة أقفز إلى حلب، ومن حلب أقلع لكي أتفسح مساء على كرنيش بيروت.
• أشتاق أن ألقي بنفسي في مياه بيروت، على زورق سريع مصنوع في ليبيا، فأبحر إلى حيفا ويافا وعكا وغزة، لكي أبيع في تلك المراسي زهورا دمشقية.
• أشتاق أن أمتطي منطادا من صنع السودان، يطير بي فوق سيناء والبحر الأحمر لكي أتأمّل الشواطئ المرجانية والطحالب البحرية والأسماك الذهبية.
• أشتاق أن أركب في سيارة رباعية الدفع مصنوعة في الجزائر، فأشق بها صحاري الجزيرة العربية العزيزة وأخوض بها غمار البراري والفلوات حتى أصل إلى أبواب بغداد، وأدخل إلى شارع المتنبي لكي أقتني حمولتي من الكتب العربية.
• أشتاق أن أركب في قطار سريع مصنوع في المدينة المنورة، ينطلق بي من مسقط إلى صنعاء إلى جدة إلى عمّان إلى القدس إلى العريش، إلى القاهرة، إلى الاسكندرية، إلى طبرق، إلى بنغازي، إلى طرابلس، إلى تطاوين، إلى صفاقس، إلى تونس، إلى عنابة، إلى بجاية، إلى تيزي وزو، إلى الجزائر، إلى وهران، إلى وجدة، إلى فاس، إلى مراكش، إلى نواق الشط، إلى داكار.
• أشتاق أن أنتقل في طلب العلم من جامعة إلى جامعة في وطني الكبير، حيث المرافق والمخابر والمعابر والمسابر.
• أشتاق أن أصعد على جبال الأطلس لكي أشاهد في المرقاب حركة الكواكب والنجوم والمجرات وأتواصل مع المحطة الدولية الفضائية وأجمع آخر أخبار المرّيخ وأحدث النجوم المكتشفة خارج المجموعة الشمسية وبالقرب من طريق التبانة.
• أشتاق أن أتمتع بوقتي في المسارح والملاهي والحدائق والملاعب والمسابقات في كل مكان في وطني الكبير، لا يصدني أحد ولا يمنعني غير عقلي.
• أشتاق أن أشارك في صناعة الأفلام والمسلسلات بكل اللغات، أعالجها بحواسيب مصنوعة في وطني الكبير، تشتغل كلها بلغة وطني الكبير.
• أشتاق أن أنتقل بين الضيعات الشاسعة لكي أشارك في تربية المواشي وزراعة الحبوب والأشجار والزهور والبقول والأعشاب.
• أشتاق أن أزور المستشفيات والمصحات وأرى الأطباء والممرضين والمرضى، كل منهم يعتني بعمله ويحبه ويعشقه ويفني عمره فيه.
• أشتاق أن أزور مجالس الشورى، وأرى النواب يعملون كالنحل أو كالنمل، يعالجون الملفات، ويناقشون القضايا، ويقررون للمستقبل.
• أشتاق أن أباشر العمل مع فرق الإنقاذ يجوبون البلاد ويعينون العباد على مواجهة الطوارئ، وأشتاق أن أذهب معهم لمواقع الزلازل والحرائق والحروب والمصائب لكي أعينهم على إعانة المنكوبين والمكلومين والمظلومين.
• أشتاق أن أصلي حمدا لله في كل المساجد، وأن أسمع القرآن بالقراءات العشر، وأن أشارك غيري صلواتهم في كل المعابد.
• أشتاق أن أحج إلى الكعبة مشيا، وأن أزور بيت المقدس حبوا.
• أشتاق أن تصمت في مدننا المدافع، وأن تسقط في ساحاتنا المقاصل، وأن تسكت في قنواتنا الضغائن، وأن تغرب عن حياتنا المشانق.
• أشتاق أن نحيا في سبيل الله، وأن نجتمع في سبيل الله، وأن نتحاب في سبيل الله، وأن نجتمع في سبيل الله.
أنا أشتاق وأشتاق وأشتاق. وسأظل أشتاق. لأنني مللت في وطني الكبير هذا أخبار الحروب والقتل والدمار والخراب، لقد مللت رؤية صور كلّ هؤلاء الرّضع والأبرياء والعجزّ وهم يقطّعون إربا إربا.
من كان يقتل لأنّه يعشق الموت، فليذهب إلى الموت منفرداً ويتركني. فأنا أحبّ أن أعيش الحياة التي وهبنيها الله، حرّاً كريمًا، أو أموت دون وطني حيث أحب الحياة، مدافعا عن عزّه وسؤدده.
محرّم 1440
“كَلِمةٌ تَدْفَعُ ألَمًا .. وكَلِمةٌ تَصْنَعُ أمَلًا”


اكتشاف المزيد من تدوينات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً

بشير العبيدي

لماذا أنجب علماء الدين أعتى العلمانيين في تونس ؟!

بشير العبيدي‎  في المجتمعات البشرية، توجد ظاهرة معروفة عند علماء الاجتماع تسمى تغيير المنوال الاجتماعي، …

بشير العبيدي

بشيرة التونسية… وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ، بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ…

بشير العبيدي‎  أتممتُ دراستي الابتدائية والثانوية والمرحلة الجامعية الأولى في تونس. بيد أنني لا أذكر …

اترك تعليق