هل باتت أيام وليّ العهد السعودي معدودة ؟

فتحي الشوك
نشرت صحيفة التّايمز البريطانية يوم الجمعة 15 سبتمبر، مقالا للمؤرّخ مايكل برني بعنوان: “أيّام الأمير السّعودي الشّاب معدودة: الآمال المعقودة على الأمير محمّد بن سلمان كمصلح يداوي جراح المنطقة تسفر عن لا شيء”. ولا يعتبر هذا المقال هو الوحيد الّذي ينذر بفشل تجربة يبدو أنّها فشلت قبل أن تبدأ، إذ كان ذاك استنتاج العديد من الكتّاب والخبراء والمراقبين، فهل يعتبر ذلك تحاملا واستهدافا موجّها للسّعودية الّتي تخوض مخاضا عسيرا؟ أم أنّها الحقيقة الّتي يريد البعض أن يغطّي شمسها بغربال؟
المصائب لا تأتي فرادى:
يقول المؤرّخ مايكل برني في مقاله ذي العنوان الصّادم والمزلزل: “ابن سلمان ليس مصلحا ولا هو رجل قويّ، لأنّه بجرّة قلم يستطيع والدهم تغيير وريثه وتجريده من سلطته وقد يحدث ذلك قريبا نظرا إلى التذمّر المتنامي من الأمراء الغاضبين ولعلّ هذا هو السّبب في أنّ الأمير الشّاب كان ينام في يخت رأس قبالة مدينة جدّة طوال فصل الصّيف تحت حراسة مشدّدة”. ولعلّ ما صدر من الأمير أحمد بن عبد العزيز تجاه جمهور من المناهضين والمنتقدين لسياسات السّعودية يأتي في سياق ما استنتجه الكاتب، ويعتبر ذلك استشعارا من بعض الحكماء من آل سعود لخطر وجودي يتهدّد ملكهم بسبب حماقات ومغامرات أمير مراهق، مندفع، يفتقد لأدنى تجربة ولا يحسن سوى مراكمة الفشل.
وقد خلص الكاتب إلى أنّ الأمير الصّغير ليس سوى فقاعة إعلامية إذ يقول: أنّ الهوّة بين الضّجيج الإعلامي حول ولي العهد وحقيقته أصبحت جليّة للغاية” ويوما واحدا بعد نشر مقال التايمز تحدّث الدّكتور الفرنسي “سيباستيان بوسوس” من خلال موقع “لموند آراب” عن الوضع المتأزّم في السّعودية الّذي شهد تطوّرا خطيرا مع ارتفاع حالات الاعتقالات وأحكام الإعدام المتزايدة إلى جانب الحرب في اليمن الّتي أسقطت تقريبا عشرة آلاف ضحيّة وأنتجت دمارا شاملا وكلّفت الرّياض خسائر كبيرة في الوقت الّذي تعاني من أزمة اقتصادية.
ويذكر أنّ مجلّة نيوزويك الأمريكية وشّحت غلافها بصورة جميلة للأمير الشّاب مع عنوان جذّاب وكان ذلك منذ عشرة أيّام، ممّا جعل جوقة المطبّلين يشتغلون ويعزفون ليلا نهار وكأنّ ما حصل هو نصر عظيم، منبهرين بالصّورة والعنوان إلى حدّ أنّهم لم يجدوا الوقت للاطّلاع على مضمون المقال الّذي كان يحتوي نقدا لاذعا وساخرا لوليّ العهد السّعودي الّذي وصفته بأنّه تحوّل لأداة في يد وليّ عهد أبو ظبي.
وقد انتشر غلاف المجلّة كالنّار في الهشيم على صفحات “المستشارين” والمادحين والنّافخين في صورة الأمير من باب التّباهي والمدح ممّا يدلّ على أنّهم لا يقرؤون أو لا يفهمون ما يقرؤون. وكانت نفس الصّحيفة في تقرير لها صدر سنة 2015 ذكرت أنّ وليّ العهد السّعودي محمّد بن سلمان كان قد قضى بعض الوقت في سنّ المراهقة مع محمّد بن زايد فما كان من ألأمير الظّبياني الأكبر سنّا إلاّ أن عمل على صقل شخصية الفتى السّعودي”.
وفي نفس السّياق تقريبا صرّح الصّحفي “بيل لاو” في ندوة أقيمت منذ يومين نظّمتها مؤسّسة “ديوان لندن” بأنّ وليّ عهد أبو ظبي محمّد بن زايد يستغلّ ضعف خبرة وليّ عهد السّعودية محمّد بن سلمان لتنفيذ أجندته. ويبدو أنّ الأجندة الحقيقية للظبياني هي تدمير السّعودية وتفتيتها، فهو من يدفعها لارتكاب الحماقات وهي من تدفع! ولا ننسى أيضا تصريحات الرّئيس الأمريكي المهينة وتدويناته وهو طالما ما اعتبر السّعودية بقرة لا تصلح إلاّ للحلب ثمّ للذبح حينما يجفّ حليبها.
هكذا تتحدّث التّقارير الغربية عن الأوضاع في السّعودية برغم كلّ الأموال الّتي ضخّت لتلميع صورة الأمير الشّاب وتسويقه على أنّه مصلح وذو مشروع ورؤية وقادر على المحافظة على مصالح الغرب في المنطقة بل الضّامن لتحقيق مشروع القرن، مليارات الدّولارات الّتي أهدرت وذهبت سدى إذ حسب موقع دي هبل فانّ السّلطات السّعودية كانت توظّف حتّى سنة 2016 ما لا يقلّ عن عشر مؤسّسات ضغط تدفع لها ما مجموعه 1.3 مليون دولار شهريا، دون نسيان فضيحة توظيف الذّباب الالكتروني الّذي يتطلّب من المترشّح أن يكون سيّء الخلق، سليط اللّسان، يحسن سبّ وشتم وهتك أعراض المخالفين ومدح وتقديس وليّ الأمر، ليتقاضى لأجل ذلك عشرة ألاف ريال في حين ترتفع أرقام المعطّلين عن العمل ونسب الفقر ويبحث جزء من الشعب عن قوته في أكياس القمامة!

حديث عن أسباب سقوط الدّول:

كتب العلّامة عبد الرحمان بن خلدون في مقدّمته منذ سبعة قرون متحدّثا عن أسباب سقوط الدّول، مقدّما شرحا مستفيضا وراسما صورة معبّرة عمّا نشاهده اليوم على أرض الواقع فقال: “عندما تنهار الدول يكثر المنجمون والمتسولون والمنافقون والمدّعون.. والكتبة والقوّالون.. والمغنون النشاز والشعراء النظّامون.. والمتصعلكون وضاربو المندل.. وقارعو الطبول والمتفيقهون.. وقارئو الكفّ والطالع والنازل.. والمتسيّسون والمدّاحون والهجّاؤون وعابرو السبيل والانتهازيون.. تتكشف الأقنعة ويختلط ما لا يختلط.. يضيع التقدير ويسوء التدبير.. وتختلط المعاني والكلام.. ويختلط الصدق بالكذب والجهاد بالقتل.. عندما تنهار الدول يسود الرعب ويلوذ الناس بالطوائف.. وتظهر العجائب وتعم الإشاعة.. ويتحول الصديق إلى عدو والعدو إلى صديق.. ويعلو صوت الباطل.. ويخفق صوت الحق.. وتظهر على السطح وجوه مريبة.. وتختفي وجوه مؤنسة.. وتشح الأحلام ويموت الأمل.. وتزداد غربة العاقل وتضيع ملامح الوجوه.

ويصبح الانتماء إلى القبيلة أشد التصاقا.. والى الأوطان ضربا من ضروب الهذيان.. ويضيع صوت الحكماء في ضجيج الخطباء.. والمزايدات على الانتماء.. ومفهوم القومية والوطنية والعقيدة وأصول الدين.. ويتقاذف أهل البيت الواحد التهم بالعمالة والخيانة.. وتسري الشائعات عن هروب كبير.. وتحاك الدسائس والمؤامرات.. وتكثر النصائح من القاصي والداني.. وتطرح المبادرات من القريب والبعيد.. ويتدبر المقتدر أمر رحيله والغني أمر ثروته.. ويصبح الكل في حالة تأهب وانتظار.. ويتحول الوضع إلى مشروعات مهاجرين.. ويتحول الوطن إلى محطة سفر.. والمراتع التي نعيش فيها إلى حقائب.. والبيوت إلى ذكريات والذكريات إلى حكايات”. رحم الله ابن خلدون، كم كان وصفه دقيقا وتشخيصه عميقا وكم نحتاج لوقفة تأمّل أمام كلماته للبدء في معالجة وضع سيّء لتفادي ما هو أسوأ.

هل باتت أيّام وليّ العهد السّعودي معدودة؟

كلّ المؤشّرات تدلّ على ذلك، ونتمنّى ذلك لأنّه بقدر قصر الأيّام السّود الّتي ادخل إليها المملكة السّعودية نتيجة لاندفاع أمير مراهق أرعن يفتقد إلى الحكمة والتجربة ولا يحسن سوى مراكمة الفشل، بقدر فرص نجاح إنقاذ المملكة وإخراجها من نفقها المظلم لتستعيد اتّزانها وبريقها ومكانتها المحورية في المنطقة والعالم. لا أحد في المنطقة أو في العالم يتحمّل تبعات انفجار الأوضاع في المملكة أو تفتّتها، سيكون ذلك لا قدّر الله مزلزلا ولن يستثني أحدا. حفظ الله بلاد الحرمين من غباء وحماقات بعض من الدّاخل ومن مكر ومؤامرات بعض من الخارج.

Exit mobile version