صالح التيزاوي
“أحبّك ياشعب”… بهذا نطق حشّاد العظيم ودفع حياته ثمنا لحرّية شعبه وانعتاقه من احتلال فرنسي غاشم جثم على الصّدور وعلى الأرض زهاء القرن وأراده دون نهاية. عاش حشّاد محبّا لشعبه ومات على ذلك… سيفه كان على الغزاة ولم يكن يوما ما على شعبه لأنّه أيقن أنّ الإحتلال ونهب الثّروات أعلى درجات العنف والإرهاب، وآمن أنّ حرّيّة الشّعب التّونسي لا يعادلها شيء مهما كان ثمنه غير رحيل الإحتلال.
حشّاد كانت تجري في عروقه دماء الحرّيّة والرّجولة فترفّع عن الجهويّات و الأيديولوجيّات والطّبقيّات وهتف: “أحبّك ياشعب”… فقراؤه واغنياؤه، سواحله ودواخله، شماله وجنوبه، نساؤه ورجاله، ريفه ومدنه. كان سقف نضاله عاليا وهو أن يرى شعبه حرّا مستقلّا يمارس سيادته على أرضه وعلى ثرواته بعيدا عن غطرسة المحتلّ ووصايته التي مازال البعض يحنّ إليها ويعمل جاهدا على استدعائها.
إنّ أقلّ الوفاء لحشّاد أن تبقى منظّمته قلعة لكلّ التًونسيين دون تفرقة والسّير على نهجه في تثبيت قيم العدل والحرّيّة والمساواة والنّأي بالمنظّمة عن الأصطفاف خلف فئة ضدّ أخرى وخلف حزب ضدّ آخر أو الإصطفاف خلف أيديولوجيات لم تخرج إلّا نباتا نكدا: قهرا وفقرا وانقلابات عسكريّة واستبدادا سياسيّا وسجونا ومحتشدات وتكميما للأفواه وكسرا لإرادة الشّعوب… “فمن أكرم الشّهيد سار على دربه”… ودرب حشّاد واضح لا لبس فيه… إزالة القيود على حركة الإنسان التّونسي.
“المكينة” التي أسّسها حشّاد كانت مفرمة للإحتلال وكانت مفرمة للميز العنصري وكانت مفرمة لمن نهب ثروات تونس واضطهد التّونسيين الذين حلموا بالحرّيّة فأحبّهم حشّاد وأحبّوه. أمّا تحريك “مكينة” حشّاد اليوم ضدّ الشّعب التّونسي وتهديده بالمفرمة فهذا منطق فتّاك وانحراف عن مبادئ حشاد الوطنيّة والإنسانيّة. فما كان حشّاد ليبيراليّا متوحّشا وما كان شيوعيّا استئصاليّا وما كان عسكريّا منقلبا وما كان ظالما مستبدّا، ولكن كان زعيما عمّاليّا وسياسيّا وطنيّا لم يقايض على حرّيّة شعبه ولم يقل إنّ شعبه لم ينضج بعد لممارسة الحرّيّة ولم يتّهمه في وعيه كما يفعل في أيّامنا مروّجي الأفكار المعلّبة منتهية الصّلوحيّة.
“مكينة” الإتّحاد نحتاجها اليوم لتكون مفرمة للفساد ما ظهر منه ومابطن، ولتكون مفرمة للفقر، ومفرمة للبطالة، ومفرمة لسياسات التّفاوت الجهوي، ومفرمة لمعطّلات التّنمية وللأزمات التي تعصف بالبلاد وللمخاطر التي تهدًد قيمة الحريّة التي احبّها حشّاد وقدّم حياته ثمنا لها…
إنّه لأمر محزن ومخجل أن يتحدّث بعضهم اليوم عن تحريك مكينة الإتّحاد لفرم الشّعب التّونسي بدم بارد وكأنّهم ذاهبون إلى نزهة… حديث خارج سياق الثّورة وخارج سياق الإنتقال الدّيمقراطي وخارج سياق التّوافق… ولكنّه ليس مستغربا ممّن شدّوا الرّحال لمباركة نظام البراميل المتفجّرة…
كلّ حكومات ما بعد الثّورة على علّاتها لم نسمع منها وعيدا للشّعب بمحرقة أو مفرمة، فكيف لمن يفترض أنّه يقوم بعمل تطوًعي لمصلحة الأجراء أن يكون خطابه تهديدا ووعيدا.
فماذا لو وصل إلى السّلطة هل يقذفنا بالبراميل المتفجّرة؟