تدوينات تونسية

قصص لليافعين … 

علي المسعودي
قصة عدد 1
في العصور التي نسميها بدائية، ينزلق الطفل من بطن أمه وهو يصرخ فرحا بالحياة.. ثم سرعان ما ينطلق نحو الغابة، حبوا أو مشيا، حافيا عاريا ليعيش الحياة كما تعيشها الطيور والغزلان: حرية وسعادة .
قصة عدد 2
في العصور التي نسميها متحضرة. عادة ما يرفض الطفل النزول من بطن أمه إلا بعملية قيصرية. وما إن يطل برأسه حتى يطلق صرخة الخوف من الحياة هذه المرة. ولأننا قدرنا أن نموه لم يكتمل بعد، فقد وضعناه في محضنة مدة عشرين سنة تقريبا، نسميها مجازا المدرسة، قبل أن نتركه يعانق الحياة… انظروا: الطفل هو نفسه، والغابة مازالت نفسها، وإن كنا أصبحنا نسميها مجازا: المجتمع. ولكن الطريق إليها طال.. حتى أصبحنا نحتاج عشرين سنة كاملة لنصل إلى أطرافها.
قصة عدد 3
بعد العملية القيصرية، ترسله أسرته إلى المدرسة، المحضنة. ومنذ اللحظات الأولى ينتابه شعور باختلافه عن الآخرين. هو ليس طفلا، ولا حتى كائنا مكتملا. إنه تلميذ. وهذه التسمية كافية لتجعله مختلفا. أن تكون تلميذا هو بالضبط أن تأخذ وضعية الجنين في محضنة لا يمكنك الخروج منها إلا بعد عقدين من الزمن… عندما ينام أو يستيقظ، يأكل أو يتخلص من الفضلات البشرية، يشاهد التلفاز أو يجلس مع العائلة، لا يفعل ذلك مثل الآخرين.. بل يتصرف كتلميذ. ممنوع عليه أن يحلم بعالم الكبار، أن يتصرف مثلهم، أن يستنشق نسيم الحياة كما يفعلون.. فمازال الوقت مبكرا بالنسبة إلى قاصر، أي إلى تلميذ.!
قصة عدد 4
سنة كاملة يقضيها بحلوها ومرها. يصنع صداقات خالدة، يضحك ببراءة، يبكي بمرارة، يكتشف تفاصيل الحياة خلسة، ينبت له شاربان، يحب ويكره. يعيش حياة ممتلئة برغم المنغصات. وفي آخر السنة، يأتي امتحان التاريخ ويسقط لأنه لم يحفظ القصة عدد 1 كما وردت في المقرر الرسمي، هو فقط أراد أن يعيش القصة لا أن يقرأ عنها، خطؤه أنه أراد أن يكون هو نفسه جزءا من المقرر… عفوا نسيت أن أترجم كلمة يسقط: السقوط هو استعمال ممحاة على جدار الحياة. بالطبع ليس بمقدورها محو الذكريات، ولا الشاربين الفتيين، ولكنها تترك ندوبا وتشوهات في الجدار لا يمحوها الزمن. هذا السقوط له مرادف في المحضنة وهو: الرسوب!!
قصة عدد 5
في العصور القادمة التي نسميها أكثر تحضرا. تمر الشهور التسع ولا يأتي المخاض !، فيسارع الأطباء إلى اللجوء إلى عملية قيصرية كالعادة. ولكنهم يفاجؤون بأن الجنين قد التحمت يداه ورجلاه بغشاء الرحم، ولا يمكن إنزاله البتة دون مخاطر. فيتركونه ينمو ويكبر في بطن أمه، حتى ينبت له شاربان، على أمل نجاح العملية القيصرية مرة أخرى بعد عشرين سنة !!!
•• تنويـــــــــه :
المصطلحات التالية لا معنى لها في الحياة، هي مجرد أوهام قد تبدو لك حقيقية: رسوب، سقوط…

اترك رد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock