يوسف الشاهد وقانون البقاء للأقوى

نوفل سلامة

مما رسخ في أذهاننا عن المرحلة الثانوية حين درسنا نظرية النشوء والإرتقاء لعالم الإحياء تشارلز داروين فكرة البقاء الأقوى والبقاء للأصلح وكيف أن الطبيعة تجدد نفسها من خلال هاذين القانونين وتنتقي من الكائنات من له قدرة أكثر على التكيف مع المتغيرات والتطورات التي تحصل في الطبيعة طبقا للقاعدة الأولى البقاء للأقوى والقاعدة الثانية البقاء للأصلح.

ويبدو أن عالم السياسة اليوم محكوم بنفس المنطق وأن القانون الذي يحكم الصراعات التي نشهدها في بلادنا وفي كثير من البلدان العربية الغلبة فيه لصالح الجهة الأكثر قوة وأن الانتصار يكون إلى جانب من يتوفر على قدرات أكثر للصمود وحسم المعركة لصالحه وهذا يعني أن قانون البقاء للأصلح ولمن هو أكثر إفادة ليس هو المعيار المحدد في حسم المعارك السياسية وإنما الذي يحكم الصراعات السياسية هو قانون البقاء للأقوى وهذا فعلا ما نشهده الآن في بلادنا من صراع متواصل بين قوى متصارعة على حل الحكومة أو بقائها وفي بقائها بقاء رئيسها يوسف الشاهد الذي يقول عنه الكثير من الناس عن خطأ وقلة معرفة بأنه لا يتوفر على حزام سياسي قوي وهو غير مسنود حزبيا ومع ذلك فقد استطاع بمفرده أن يتغلب على خصومه وخاصة خصمه المباشر الاتحاد العام التونسي للشغل الذي لم يقدر إلى حد الآن على هزمه وحل حكومته رغم ما يعرف عنه من كونه هو القوة الأولى في البلاد.
يخطئ من يعتبر أن يوسف الشاهد رئيس حكومة ضعيف سياسيا وغير مسنود من طرف جهات قوية ونافذة وفاعلة في البلاد.. فهو رغم انقلاب حزبه نداء تونس عليه في محاولة لإضعافه وإعادة سيناريو رئيس الوزراء الأسبق الحبيب الصيد الذي اخضعوه وطبقوا عليه القاعدة التي تقول أن كل شخصية لا تنصاع للأوامر ولا تخدم المنظومة الحزبية ولا تأتمر بالتعليمات فان مصيرها الطرد، فإن الشاهد استطاع أن يصمد أمام الضربات التي تكال له من كل جانب وقدر أن يواصل إلى اليوم في مهامه رغم الصعوبات التي يلقاها لأنه الأقوى حاليا في معادلة الحكم.. هو الأقوى لأنه استطاع أن يحيّد حركة النهضة الحزب السياسي الأكثر تأثيرا في البرلمان وفي الحياة السياسية ويجعله في صفه من خلال موقفه الداعم للاستقرار السياسي ورفضه تغيير الحكومة في هذه المرحلة لقرب الاستحقاق الانتخابي المقبل ولمواصلة الاصلاحات التي بدأت فيها الحكومة.
واستطاع أن يضمن دعم الخارج له ممثلا في الاتحاد الاوروبي الذي يدعمه بقوة بعد أن تعهد الشاهد أن يمضي معه سنة 2019 اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق المعروف “باتفاق الأليكا” والذي يخص تحرير ما تبقي من الشراكة الاقتصادية معه في مجالي الفلاحة والخدمات واستطاع كذلك أن يضمن مساندة المؤسسات المالية العالمية المانحة للقروض ونخص هنا صندوق النقد الدولي الذي نراه اليوم يقف بقوة مع الشاهد ويرفض تغييره لالتزام حكومته بإتمام الاصلاحات الكبرى التي يطالب بها الصندوق حتى يواصل دعمه المالي لتونس وتخص إصلاح الصناديق الاجتماعية بإيقاف عجزها المالي وإصلاح منظومة الدعم بالتخلي عن دعم الكثير من المواد الأساسية المدعمة من طرف الدولة وإصلاح المؤسسات العمومية بالتفويت في الكثير منها التي تعرف صعوبات مالية و تمثل حسب قوله عبئا ماليا على الدولة وإصلاح الوظيفة العمومية بالتقليص من كتلة الأجور التي يقول بأنها مرتفعة جدا والشروع في تسريح العمال والتوقف على الانتدابات.
وهو الأقوى اليوم لأنه إلى جانب كل ذلك استطاع أن يكون كتلة نيابية لها وزنها في البرلمان تتكون من حوالي 33 نائبا رغم أنه ينكر ذلك وتنفي الكتلة الجديدة هي أيضا ذلك ولكن الواضح أن النواب الذين كونوا الكتلة الجديدة هم قريبون منه وإلى جانبه ويسندونه بما يعني أن الشاهد اليوم يعيش وضعا مريحا في الداخل والخارج.. مساندة خارجية يحضى بها من طرف الاتحاد الاوروبي وصندوق النقد الدولي ومن ورائهما الولايات المتحدة الامريكية وفرنسا ومساندة داخلية يتمتع بها من طرف حركة النهضة وكتلة نيابية معتبرة عدديا وهي مع النهضة ونواب آخرين قريبين منه يمكن أن تكون أغلبية مساندة له وبهذا فإن أي سياسي يتمتع بهذا الحزام الداخلي وهذا الدعم الخارجي يكون بالضرورة هو الأقوى خاصة وأن خصومه حزبيا ونقابيا لا يتوفرون على بديل له ولا يمتلكون رؤية لوضع البلاد في صورة رحيله وحل الحكومة.
ما أردنا قوله هو أنه إذا كان قانون الطبيعة لا يبقى من الكائنات إلا ما هو أصلح وأقوى لمواجهة الطبيعة فان قانون السياسية لا يبقي إلا من هو أقوى للحكم والأقوى اليوم هو يوسف الشاهد الذي على ما يبدو قد استوعب درس الحبيب الصيد وجعل لنفسه حصنا منيعا وحزاما قويا.

Exit mobile version