لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية
سمير ساسي
هكذا قال معلم البشرية صلى الله عليه وسلم وهو يعنينا ويعني الأجيال بعدنا التي تحتفل بذكرى هجرته التي غير فيها موقعه ولم يغير موقفه حين استحال عليه الفعل ولم تسعفه إمكانات عالم الأشياء والأرض ما معنى أن لا هجرة الآن يعني أن نرفض سياسة الهروب من مواجهة الواقع مهما كانت رداءته ومرارته بل أن الواجب أن نجاهد لنغيره فإن عجزنا ونحن نفعل فذلك معنى النية فربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا.
نفي الهجرة بعد الفتح يفرض علينا تغيير كل واقع فاسد مواجهة عصابات الفساد تأكل المال العام وعصابات السياسة تتحكم في المشهد كأنها الرب الأعلى ومشهد النقابات المؤدلجة تقتل المرضى لأنها تطالب بمنحة العيد أو تطالب بالإفراج عن مخالف للقانون.
من رضي بهذه المظاهر ولم يفعل أو لم يبذل جهدا في مجاهدتهم لتغيير البؤس فقد فاتته الهجرة وحرم الجهاد ولن تنفعه النية فالنية الحسنة لا تبرر الحرام والحرام أن يتحكم فيك فاسد وانتهازي واحد وأنت تملأ الأرض غبارا ثم لا تزحزحه إلى قمامة التاريخ، الحرام أيضا أن يسوق سكير واحد لا يكاد يتحكم في نفسه مائتي رجل وإمرأة في حافلة يخشى أحدهم ان يصفعه صفعة واحدة ترجعه إلى محطة البدايات، الحرام أن لا ينتفض مائة مريض أو أكثر لإجبار عاملين في المستشفى أضربوا عن العمل لأن صاحبهم موقوف عند الشرطة بسبب شبهة أو تهمة، الحرام أن تنتخب مسؤولا وفق برنامج إنتخابي محدد ثم تراه يبيع نفسه ولا يحترمك وتصمت.
إذا إنتقلنا من مرحلة الفرجة الباهتة إلى الفعل المدني المؤثر فقد حققنا معاني الهجرة وربحنا ثواب الجهاد وجزاء النية في كل عمل لم نبلغه وإلى ذلك الحين نحتاج أن نعيد صياغة كل فهومنا لنتجاوز حالة الإنشطار بين الواجب في الدين والواقع في الخلق.
يقول مالك بن نبي ليست المشكلة أن نعلِّم المسلم عقيدة هو يملكها، وإنما المهم أن نرد إلى هذه العقيدة فاعليتها، وقوتها الإيجابية، وتأثيرها الاجتماعي.
إن الاحتفال بالهجرة يقتضي منا الملاءمة بين الحضور في الزمن 1440 والحضور في الرمز والقيمة إذ الأول لا فكاك منه نعيش أثره طوعا وكرها باعتبارنا مسلمين أما الثاني فواجب يعطي للزمن الذي نعيشه معنى وهنا يتجلى جهادنا وتتضح نيتنا.
اللهم صل على معلم البشرية الخير.