عبد الرزاق الحاج مسعود
إلى جلال الدين الرومي أوّلا
ثمّ التبريزي والشيرازي والحلاج
ومن يلفّ لفّهم.. إلى اليوم.
•••
يشيع في عالم الفايسبوك فقاع كلام كثير ينسب إلى جلال الدين الرومي تلبيسا وتدليسا وتقاذفا مجانيا بأفكار تبدو كبيرة.
والحال أن ظاهرة الاختباء خلف اسم قديم تضخّم بفعل “الجهل العربي الحديث” ليس إلا كسلا فكريا مقيتا وعطالة عقلية مخزية واغترابا أحمق عن الزمن الحاضر. هو هراء لا علاقة له بالمعرفة، ونكوص مخجل إلى ثقافة التقليد والعنعنة البائسة بلبوس “صوفي” يستعاض به عن ملكة الخيال الفنّي المطالبة بسبر أسرار الذات والوجود في اللحظة الكونية الحالية. قفزات التقدّم المعرفي الإنساني اليوم مذهلة وتتيح للإنسان فرصة ارتقاء حقيقي، ومن الإجرام تبديدها في لوك شقشقات مهما بلغت من الذكاء واللمع فهي مانعة للخيال وماحية لوجودنا الجديد.
هل يعني هذا سقوطا في التطوّرية الوضعية الكلاسيكية؟ وتسليما غبيا من جانبي بفكرة اطراد التقدّم الإنساني في منحنى صاعد فيما يشبه الحتمية التاريخية الميكانيكية؟
أجيب بلا. الإنسان الحديث يعيش إنسانيته بكلّ تناقضاتها وأزماتها ونقصها وحيرتها بمخيلة إبداعية علمية متفجّرة ومتحرّكة وثرية جدا. والارتماء الكسول في صيغ حِكَمية ماضوية جاهزة وخادعة لجمودنا ومرضية لنرجسيّتنا الحضارية باسم الخصوصية الأصيلة ليس إلا هدرا سخيفا لفرصة وجود يمكنه أن يتسلّح بأدوات تفكير وبحث محفّزة للخيال ودافعة نحو مستقبل كثيف ونحو حياة جديدة.
التغيّر السريع هو بالتأكيد طبيعة اللحظة الإنسانية اليوم. العجز عنه فهما ومواكبة ومساهمة لا يبرّر لنا السقوط في استعادة ببغائية فلكلورية ركيكة ومزرية للرومي (وأسمائه المتعدّدة الأخرى).
ألا نستطيع التحلّي بأخلاق الفرسان المهزومين، ونخلص في ترجمة فتوحات المعرفة والإبداع العالمي وننكبّ (يكبّ كبوبنا) على درسها وهضمها، وإعمال كلّ مشارط التفكير الحديث لتشريح الدماغ العربي المتليّف مع الانتباه إلى عدم الاقتراب من “جثّة” تاريخنا المتحلّلة حتى لا نموت اختناقا…؟
أي دعوة لتجديد القديم وتثويره وتنقيته هي ارتكاس مقنّع عن الحياة واستدعاء مجاني لأسباب جديدة لاستمرار الحرب الأهلية القائمة في مجتمعاتنا المهدّدة بالانقراض.
ألا يحقّ لنا أن تكون لنا أسماء تخصّنا نحيا بها ؟؟؟