دائما ما ترتسم ملامح “الإسلامي” في مخيلة خصومه وأعدائه فكرا متخلفا منغلقا ووجدانا لم تحمله مسارب الأدب وفنون الكتابة في عوالم الخيال والفتنة والجمال وعقلا لم تقتحمه أسئلة حيرى غازية تبدد إطمئنانه وسكونه.
صورة أقرأها في عيون البعض من الأصدقاء الخصوم والزملاء الأعداء ولعلهم لم يجدوا تلك الملامح أو لعلهم أضاعوا كثيرا منها حين يشتد بنا النقاش في مجالس الفكر والأدب والفن.
كنا نقرأ لكل الفلاسفة ونحيط أنفسنا بسور معرفي يحمينا غوائل المجالس وأسئلة الدولة والحداثة والمجتمع والعدالة والنضال وكنا نقرأ كثيرا من الشعر والكتابات الروائية ونشحذ الذاكرة استحضارا لوقائع التاريخ وتحولات الجغرافيا ونحولها إلى منطلقات ودلائل لنبدد أحجية الخصوم والأعداء.
الفضاء المتلون والمتعدد من الفكر والفلسفة والأدب وسَع دائرة التفكير وطرح أسئلة مخاتلة اقتحمت عقولنا اقتحاما وجعلتنا إلى حد كبير كيانا مفكرا ووجدانا متأدبا وعقلا باحثا يسلك كل المسالك ويختبر المتاهات بحثا عن يقين يطمئن إليه إطمئنان المسافر في صحراء شديدة الحر والقيظ يلتمس ظلا أو بعض ظل.
لم نكن نخشى القراءة أو غواية الأفكار فتزل بنا عما نراه قناعة فكرية وكنا مع ذلك مزيجا تتناسب أقداره للكل الاجتماعي والحرية والحداثة والعدالة وفكرة الدوله ونظامها والديني والتاريخي.
قرأنا مسارات التاريخ البشري ومنه التاريخ الإسلامي وتاريخ الأفكار وتحولاتها والإيديولوجيا وأسسها والحضارات بناء وهدما والدول تقدما وتخلفا.
قرأنا لليساريين والقوميين والإسلاميين والليبراليين ومفكري الدولة الوطنية ولم نتعب من النهل من مناهل ترد بعضها بعضا.
كان الكتاب لزيما لنا في الحل والترحال واليقظة والمنام وكثيرا ما أجد نفسي مستيقظا والكتاب جواري… وقد لا ننام ليلتنا حتى ننهي الرواية أو الكتاب.
وفي كل ذلك لم نسق إلى منابع تفكيرنا سوقا وإنما تركنا للروح زمام يقينها حتى استقر بها المقام في تلكم البقعة من الفكر والفلسفة والعقيدة والحضارة.
أدركنا ونحن نبحث عن سؤال الحضارة أنها تاريخ “الفطرة” الإنسانية وتاريخ الكلمة الأولى “كلمة التوحيد” وأن الهداية هي العقل الإيماني الذي استوعب سؤال الوجود ورعبه وجماله.
قرأنا كثيرا من الكتب ولا نجد كتابا يكتب الوجود والحياة بكل اللغات إلا القرآن.
كثيرون قالوا “إنك في المستقر الخطأ من الفكر واليقين وقد أنبت زرعك في أرض غير ذي ماء فلا ينمو.
هاقد تجاوزنا عتبة الأربعين وإنا في إطمئنان كبير لما هدانا الله إليه ونرجو عليه الثبات.
في هذا الخضم لا أجد حرجا في نعتي “بالرجعي الظلامي”.
لأن نورهم زائف سريعا ما يمحى ويقينهم وهم سريعا ما يذهبه سؤال الإيمان ولأنهم جربوا الدولة ستين عاما وفشلوا وارتدوا عتاة طغاة ظلمة.
ولأنهم أقلام مأجورة وعقول مكتراة وروح تائهة بلا سبيل.
ولأنهم رجع صدى لغريب سرق الأرض والدين.
ولأنهم خواء وغثاء كغثاء السيل فإني “على دين محمد أقول ما يقول وأشهد بما شهد”.
الانتصار العظيم دائما ليس في تحقيق الحلم الكبير وإنما حين تورَث ذلك الحلم لجيل قادم يحمله حمل الأمانة لا يريد ضياعها فحمَلوا أبناءكم أمانة الدين.