عبد اللطيف علوي
حين كانت أمّي تحدّثنا عن “سِيدْنَا” ونحن صغار، كنت أشعر دائما أنّها تحدّثنا عن قريب أو رفيق أو صديق أو حبيب، وحين كانت “داده” تدعونا للرّفق بالبقرات والشّويهات والقطط والكلاب، كانت تستذكر قصص “سيدنا” كما تقولها مختصرة بليغة شافية كيف كان يرفق بالحيوان، وحين كنا نرى الخطاف كنا نركض تحته وهو يطير ونرفع رؤوسنا مردّدين “يا خطافة النبي سلميلي على النبي”.
كنت أشعر أنّ محمّدا يعيش معنا في كلّ شيء، في الماء وفي التراب وفي الهواء، وفي ليالي العاصفة والخوف، كانت يده الرفيقة دائما ممدودة حانية تربت على رؤوس الصّغار وتسند العجائز وتمسح على رأس المريض وتواسي الحزين وتطعم الفقير وتشدّ من عزم المتعبين.
لم يكن محمّدا أسطورة ولا خارقة من الخوارق ولا ملكا معظّما من ملوك الأرض، كان إنسانا بسيطا جدّا بقدر بساطة كلّ شيء جميل وأصيل في الأرض. كان رجلا بلا أقفال، ينفذ الناس إلى روحه وقلبه دون استئذان، يرحم الصّغار ويكرم الكبار ويسقي زوجته من يديه ويأكل ما يأكل النّاس ويشدّ على بطنه الحجارة حين يجوع، كان رجلا بسيطا وحميما، وصديقا معطاء بلا حساب…
لم يكن عالما ولا متعالما، كان يحمل الوحي بأمانة ويتعلّم شؤون الدّنيا كما يتعلّمها النّاس، كان يبكي كما يبكي الناس، حين كانت تمرّ به المواقف المختلفة، فتهتزّ لأجلها مشاعره، وتفيض منها عيناه، ويخفق معها فؤاده الطاهر، ويبكي رحمة وشفقة على الآخرين، وشوقا ومحبة، وفوق ذلك كلّه : خوفا وخشية من الله.
كان رفيقا باليتيم والمحزون وبالخدم وبالنساء وحتّى بالكفّار، بكلّ من عاداه وآذاه حتّى العظم، كان رفيقا بكلّ نبتة أو دابّة على وجه الأرض، محمّد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام.
كان حظّي عظيما أنني قرأت سيرته على يدي أمّي وداده، و وجدت روحه مبثوثة في كلّ شيء جميل ونبيل وحميم، كضوء الشّمش وضوع الزّهر.
لم يخطر ببالي يوما إلاّ في صورة حنونة مبتسمة تفيض بالرّفق والمحبة والرضى والغفران، كانت تلك دائما صورته في قلبي: الطبيب والحبيب والمعلّم الحنون والصّديق الّذي لا يخون.
حزانى نحن اليوم يا رسول الله…
أرنا الطريق إليك يا حبيبي، فما عاد في الأرض متّسع للبشر.
#عبد_اللطيف_علوي