من أجل تعميم مهبة العيد على جميع عمال الشركة
كمال الشارني
ما يبقى في الذاكرة
في لغة الاتصال، ماذا بقي للرأي العام من معركة إضراب جماعة الشركة التونسية للملاحة: صور الأطفال والأمهات على الاسفلت، قوارير الماء الفارغة، استغاثات بعد 9 ساعات من الاحتجاز والفوضى والغضب والإحباط، غياب الدولة، ثم جاء الجيش لينهي الفوضى، “آه ؟ هذا خطير، لاشك أنه لأنهم لم يحصلوا على أجورهم منذ أشهر ؟” لا، بل من أجل تعميم مهبة العيد على جميع عمال الشركة، “هل ثمة قانون يجبر شركة على إهداء مهبة لعمالها خارج حقوقهم ؟”، لا يوجد، إنما يمكن، إذا كنت قادرا على إيقاف العمل فيها، هذا ما يبقى في الذاكرة.
حسنا، الباخرة المعطلة غادرت، لكن بقي لنا السؤال المحوري لبداية السنة السياسية: إلى أي مدى يمكن أن تذهب النقابات في استغلال حق الإضراب ؟ خصوصا إذا كان من ضمن الطلبات “تعميم مهبة العيد”.
ذاكرتي ليست قصيرة
ليست لي أية مخاوف من الجيش الوطني فيما يتعلق بالشأن العام، كل المخاوف الواقعية متأتية من ممثلي لوبيات المال والفساد حتى أن السؤال اليوم هو: إلى أي حد يمكن أن تذهب هذه اللوبيات في الدفاع عن مصالحها ؟ نشأت على حساسية وتوجس من كل من يحمل زيا رسميا وسلاحا وصلاحيات، لكني لن أحس أية مخاوف إذا ما تولى الجيش الوطني الإشراف مؤقتا على أية مؤسسة عمومية، ذاكرتي ليست قصيرة: ففي بداية الثورة، طبخ لنا الجيش الخبز ووزعه مجانا، حرسنا من القناصة ومنحرفي الدولة العميقة، حمى الامتحانات الوطنية حتى آخر الأرياف ومعاقل الإرهاب ووقف حارسا للمقرات المعتمديات والولايات لكنه لم يطلق علينا النار حتى في أسوأ حماقاتنا وعاد إلى ثكناته عندما كانت السلطة “مرمية على قارعة الطريق”.
أتاحت لي مهنة الصحافة الاقتراب كثيرا من الجيش الوطني وأعرف أنه، في أسوأ الأحوال، سيحتاج إلى أكثر من خمسة أعوام قبل أن تتغير عقيدته الوطنية لكي، ربما يظهر فيه طامع في السلطة، كما أتاحت لي مهنتي أن أرى جيوشا عربية عديدة ما يزال حذاء العسكري فيها هو الذي يصنع قوانين المجتمع المدني.