تدوينات تونسية

الشعب مسلم،،، ولكن الدولة ليست مدنيّة

زهير إسماعيل
سنكتب تحت هذا العنوان سلسلة من النصوص حول ما يدور من جدل. وهو جدل في ظاهره حول موضوع الأحوال الشخصيّة وفي حقيقته حول موضوع الدولة ودورها وعلاقتها بالمجتمع، حول “المشروع الوطني” في سياق منسوب مهم من الحرية معمد بدماء الشهداء. فالنخبة التونسية لم تخض في موضوع الدولة، واكتفى الفاعلون السياسيون ببعض الشعارات العامة من خلال إلحاق صفات بالدولة مثل “الديمقراطية” و”المدنيّة” و”الدينية”، وسط سجال حادّ. ولا يمكن لسياق السجال أن يفضي إلى خلاصات متينة ومواقف مؤسَّسة يمكن البناء عليها. 
ومن المثير للانتباه أنّٰ الجدل القائم لا يختلف، من حيث أطرافه وما يقدم من وجهات نظر وحجج وما ينكشف من “علاقات قوة” بين المتحاورين، عن الجدل الذي كان قائما في مرحلة الاستبداد، رغم فارق الحرية. وهو ما يغري بالسؤال: هل توجد موانع وتعقيدات وتقاطعات تحول دون بعض الأطراف وإبداء مواقفها كاملة فتحتاج إلى التقية، ذلك أنّ تهمة “ازدواجية الخطاب” ما تزال من التهم المتداولة في الخطاب السياسي والإعلامي؟
سنعرض تصورنا للدولة ووظيفتها، كل ذلك في علاقة بالدستور والديمقراطية والإسلام والثورة والمواطنة الاجتماعية.
سنقف عند الدولة الدينية، ونعرفها بأنها هي الدولة التي تتدخّٰل في عقائد الناس وسلوكهم وحرياتهم الفردية، أيا كانت مرجعيتها، وهو ما يتحقق في الدولة التونسية من خلال منطوق الدستور، ومن خلال سلوك رئيس الجمهورية الذي من حقّة أن يبدي تصوره للإسلام وتصوره للحداثة، كما من حقه أن يؤلف بينهما، ولكن ليس من حقه أن يستقوي بالدولة ليقدم باسمها تصوره أو تصور غيره. فدور الدولة أن تدير اختلاف المواطنين وتعددهم وتنوعهم لا أن تنحاز إلى جهة دون أخرى.
هل صارت علمانية الدولة مطلبا ؟ 
الجواب: نعم،
في سنوات الجمر كان بن علي يكذب مثلما يكذب سلفه اليوم، أمام الأوروبيين، بأن دولته علمانية تواجه تصورا دينيا للدولة تمثّله النهضة، وكان بعض من السذج من الاسلاميين ينخرطون في هذا ويلحون على محاربة بن علي للإسلام وينسون أنّٰ حربه الفعلية على الحرية، وكان كثير من المشارقة، مثلما نلاحظه اليوم، يهرعون مندّدين بعلمانية موهومة للدولة في تونس، متأسفين على محاربة الدولة للمعلوم من الدين بالضرورة، وهذا ما كان يسعد له، بن علي سابقا، وساعده على ذلك ما تسنّى له من اختراق وما صنعه من “إرهاب معولم” مثلته الجماعات التكفيرية التي تم توظيفها فيما بعد للانقلاب على المسار الثوري. وهو ما يسعد له، اليوم، بقايا الصباحية ومن حالفهم من شتات المشهد السياسي.
لم نكن نواجه علمانيا، في مرحلة الاستبداد، بل كنا نواجه استئصاليا تابعا متخلفا، لا يختلف في تصوره للإسلام عن تصور “الجماعات التكفيرية”. كان مطلبنا وما يزال هو “تحرير الدين من الدولة”، أي من “الوسيط” وذلك جوهر الإصلاح المحمدي.
العلمانية كان يجب أن تكون مطلب القوى المدافعة عن الحرية ( السياسية والدينية والفكرية) في مقابل “دولة بن علي الدينية”، التي تفرض على الناس عقائدهم. يومها وجدت من يدعم “دينيّتها” من “اللاّدينيين” (أو “التدين الآخر” ولا أقول يسار أو علمانيين لأنهم ليسوا كذلك) الذين مثلوا “لجان تفكيرها” و “قوتها الناطقة”، ولكن كان هناك أيضا دعم من ضحاياها، مثلما أشرنا. ويتواصل المشهد نفسه تقريبا والفاعلون إياهم. والمتغير الوحيد والنوعي هو منحة الشهداء المعمّدة بدمائهم الزكية، وهو متغير لن يجعلنا نغفل عن أنّٰ أداءنا على مدى سبع سنوات “تطور” بمشهدنا السياسي ليصبح مشروطا بالخارج، وهو ما قد يجعل من الحرية المعمّدة مشروطة به أيضا (هذا من المواضيع الجوهرية).
ولكن أي علمانية؟ 
إذ العلمانية علمانيات، وكثيرا ما تحاول الدولة أن تفرض “علمانيتها” فتتحول هذه العلمانية من “إدارة الاختلاف” بين المواطنين إلى “الانحياز العقدي” فتصبح بذلك “دولة دينية” رغم دعاوى العلمانية (الدولة البورقيبية، الشيوعيّة، أو الاشتراكية). وهذا ما سنحاول الوقوف عنده، كل ذلك في إطار تصورنا للإسلام والدولة والسلطة.
(يتبع)

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock